الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
29148 - قال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا ، أن لا تباع الحنطة بالحنطة ، ولا التمر بالتمر ، ولا الحنطة بالتمر ، ولا التمر بالزبيب ، ولا الحنطة بالزبيب ، ولا شيء من الطعام كله ، إلا يدا بيد ، فإن دخل شيئا من ذلك الأجل ، لم يصلح ، وكان حراما ، ولا شيء من الأدم كلها ، إلا يدا بيد .

29149 - قال مالك : ولا يباع شيء من الطعام والأدم إذا كان من صنف واحد اثنان بواحد ، فلا يباع مد حنطة بمدي حنطة ، ولا مد تمر بمدي تمر . ولا مد زبيب بمدي زبيب ، ولا ما أشبه ذلك من الحبوب والأدم كلها ، إذا كان من صنف واحد ، وإن كان يدا بيد . إنما ذلك بمنزلة الورق بالورق والذهب بالذهب . لا يحل في شيء من ذلك الفضل ، ولا يحل إلا مثلا بمثل ، يدا بيد .


29150 - قال أبو عمر : أجمع الفقهاء من التابعين ، فمن بعدهم أنه لا يجوز الورق بالورق إلا مثلا بمثل يدا بيد . وكذلك الذهب بالذهب ، لا يجوز إلا مثلا بمثل ، يدا بيد ، وكذلك البر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر .

29151 - وقد ذكرنا ما شذ فيه معاوية ، وما شذ فيه ابن عباس أيضا فيما [ ص: 41 ] سلف من كتابنا ، والحجة في السنة ، لا فيما خالفها من الأقوال التي هي جهالة يلزم ردها إلى السنة ، وقول مالك في الطعام كله والآدام ، أنه لا يجوز في شيء منه النسيئة وقول جمهور علماء الأمة .

29152 - وقد ذكرنا في هذا الباب ما يدل على صواب القول في الأصناف مما يقطع عند ذوي الأفهام الاختلاف ، والحمد لله .

29153 - وشذ داود فأجاز النسيئة والتفاضل فيما عدا البر والشعير ، والتمر ، والملح من الطعام ، والآدام ، لنص رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولعموم قول الله عز وجل : وأحل الله البيع [ البقرة : 257 ] فلم يضم إلى النسيئة المنصوصة في حديث عبادة ، وغيره شيئا غيرها ، وهي الذهب ، والورق ، والبر ، والشعير ، والتمر ، والملح .

29154 - وشذ ابن علية في ذلك أيضا ، فقال : إذا اختلف النوعان كالبر بالشعير ، والبر بالزبيب ، فليس بواحد بأضعاف الآخر ، يدا بيد ، ونسيئة - قياسا لكل ما يكال على ما يوزن .

29155 - قال : ولما أجمعوا في الموزونات أنها جائز أن يشتري الحديد ، والقطن والعصفر ، وما يوزن من مثل ذلك كله كالذهب ، والفضة اثنان بواحد نقدا ، أو نسيئة ، لأنه لا يشبه الذهب ، والفضة شيء من الموزون ، فكذلك في القياس : كل شيء يكال أبعد شبها من الذهب والفضة وأحرى أن يكون واحد بأضعافه [ ص: 42 ] بالنقد ، والنسيئة .

29156 - قال أبو عمر : ما أصاب وجه القياس ، ولا اتبع الجمهور ، ولا اعتبر الآثار ، ولا أعلم له ولداود سلفا فيما ذهبا إليه من ذلك مع تضاد أصولهما في القياس إلا حديث يرويه ابن جريج ، عن إسماعيل بن أمية ، وأيوب بن موسى أن نافعا أخبرهما أن ابن عمر باع تمرا بالغابة صاعين بصاع حنطة بالمدينة ، وقد روي عن ربيعة ، وأبي الزناد نحو ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية