الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
29248 - قال مالك : من اشترى طعاما بسعر معلوم إلى أجل مسمى ، فلما حل الأجل ، قال الذي عليه الطعام لصاحبه : ليس عندي طعام ، فبعني الطعام الذي لك علي إلى أجل ، فيقول صاحب الطعام : هذا لا يصلح ، لأنه قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يستوفى ، فيقول الذي عليه الطعام لغريمه : فبعني طعاما إلى أجل حتى أقضيكه ، فهذا لا يصلح ، لأنه إنما يعطيه طعاما ثم يرده إليه ، فيصير الذهب الذي أعطاه ثمن الذي كان له عليه ، ويصير الطعام الذي أعطاه محللا فيما [ ص: 58 ] بينهما ، ويكون ذلك ، إذا فعلاه ، بيع الطعام قبل أن يستوفى .


29249 - قال أبو عمر : أما إذا كان على حسب ما وصفه مالك ، فإنه أمر مكشوف ، فقد عقدا عليه غريمتها ، وظهر ذلك في فعلهما إذا قال له لا أبيعك الطعام الذي سلمت فيه إليك ، وحتى أقبضه ، فقال له : بعني طعاما إلى أجل أصرفه إليك فضامن طعامك ، ويبقى ثمنه على مكانه ، إنما باعه الطعام الذي كان عليه بالثمن الذي عقده في الطعام الآخر ، فصار بيع الطعام قبل قبضه إلى سائر ما يدخله من وجوه الربا ، لأنه قد صرف الطعام الذي اشترى منه إليه ، وصار فعلهما ذلك ذريعة إلى تحليل ما لا يحل في بيع الطعام قبل أن يستوفى .

29250 - وأما إذا ابتاع رجل طعاما من غريم له عليه طعام من غير شرط ، ولا إعادة معروفة ، ثم قضاه منه ، فإن ذلك جائز عند الشافعي ، وعند كل من لا يقول بإعمال الظن ، لقطع الذريعة ، لأن الله عز وجل لم يحرم على أحد أن يبتاع من غريمه سلعة بعد سلعة ، وأن يعامله معاملة بعد معاملة إذا كانا من أهل السلامة ، فإذا ملك الطعام الذي ابتاع منه بغير شرط ، ولا كلام هو كالشرط ، [ ص: 59 ] وقبضه ، وجائز فيه تصرفه ، جاز له أن يقضي منه ذلك الغريم ما عليه من الطعام ، كما له أن يفعل فيه ما أحب .

29251 - ولا يجوز ذلك عند مالك ، لأن الفعل القبيح عنده كأنه قد شرطه ، وقصده ، ولا ينفع عنده القول الحسن في البيع إذا كان الفعل قبيحا ، كما لا يضره عنده القول القبيح إذا كان الفعل حسنا .

29252 - ألا ترى أنه يجيز ما لا يجيزه أحد من العلماء غيره ، وذلك قول الرجل : أبيعك سلعتي هذه بكذا ، وكذا درهما على أن تعطيني في تلك الدراهم دينارا ، فأجاز ذلك مالك مع قبح الكلام ، لأنه يجمع بيقين في بيعه ، وصرفا متأخرا عند غيره ، وأما عنده ، فإنما باعه تلك السلعة بالدينار ، وكان ذكر الدراهم عنده لغوا ، لم يلتفت إليه .

29253 - وأما الشافعي ، فإنه لا يراعي فيما يحل ويحرم من البيوع بين المتبايعين إلا ما اشترطا ، وذكرا بألسنتهما ، وظهر من قولهما لإجماع العلماء على أنه إذا قال له : أبيعك هذه الدراهم بدنانير أنظرك بها حولا ، أو شهرا لم يحل ، ولو قال : أسلفني دراهم ، وأمهلني بها حولا ، أو شهرا جاز ، وليس بين ذلك الاختلاف لفظ القرض ، ولفظ البيع .

التالي السابق


الخدمات العلمية