الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
13 [ ص: 247 ] ( 2 ) باب وقت الجمعة

11 - مالك ، عن عمه أبي سهيل بن مالك ، عن أبيه أنه قال : كنت أرى طنفسة لعقيل بن أبي طالب ، يوم الجمعة ، تطرح إلى جدار المسجد الغربي ، فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار ، خرج [ ص: 248 ] عمر بن الخطاب ، وصلى الجمعة . قال مالك ( والد أبي سهيل ) : ثم نرجع بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحاء .


420 - روى هذا الحديث عبد الرحمن بن مهدي ، عن مالك ، عن عمه أبي سهيل بن مالك ، عن أبيه ، فقال فيه : " كان لعقيل طنفسة مما يلي الركن الغربي ، فإذا أدرك الظل الطنفسة خرج عمر بن الخطاب فصلى الجمعة ، ثم نرجع فنقيل " .

421 - وروى حماد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن عامر بن أبي عامر : " أن العباس كانت له طنفسة في أصل جدار المسجد عرضها ذراعان ، أو ذراعان وثلث ، وكان طول الجدار ستة عشر ذراعا ، فإذا نظر إلى الظل قد جاوز الطنفسة أذن المؤذن ، وإذا أذن نظرنا إلى الطنفسة ، فإذا الظل قد جاوزها " .

422 - قال أبو عمر : جعل مالك الطنفسة لعقيل ، وجعلها محمد بن إسحاق للعباس ، والله أعلم .

423 - المعنى في طرح الطنفسة لعقيل عند الجدار الغربي من المسجد ، وكان يجلس عليها ويجتمع إليه ، وكان نسابة عالما بأيام الناس .

[ ص: 249 ] 424 - وأدخل مالك هذا الخبر دليلا على أن عمر بن الخطاب لم يكن يصلي الجمعة إلا بعد الزوال ، وردا على من حكى عنه وعن أبي بكر أنهما كانا يصليان الجمعة قبل الزوال ، وإنكارا لقول من قال : إنها صلاة عيد فلا بأس أن تصلى قبل الزوال .

425 - وقد ذكرنا في " التمهيد " الخبر عن أبي بكر ، وعمر : أنهما كانا يصليان الجمعة قبل الزوال .

426 - وعن عبد الله بن مسعود أنه كان يصلي الجمعة ضحى .

427 - حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني قال : حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا غندر ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة قال : " كان عبد الله بن مسعود يصلي بنا الجمعة ضحى ، ويقول : إنما عجلت بكم خشية الحر عليكم " .

428 - وحديث حميد ، عن أنس : " كنا نبكر الجمعة ونقيل بعدها " .

[ ص: 250 ] 429 - وحديث سهل بن سعد : " كنا نبكر بالجمعة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نرجع فنتغدى ونقيل " .

430 - وحديث جابر قال : " كنا نصلي الجمعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نرجع فنقيل " .

431 - وذكرنا علل هذه الأخبار ، وضعف أسانيد بعضها ، وأنه لم يأت من وجه يحتج به ، إلى ما يدفعها من الأصول المشهورة .

432 - ولهذا ومثله أدخل مالك حديث طنفسة عقيل ليوضح أن وقت الجمعة وقت الظهر ; لأنها مع قصر حيطانهم وعرض الطنفسة لا يغشاها الظل إلا وقد فاء الفيء ، وتمكن الوقت ، وبان في الأرض دلوك الشمس .

433 - وعلى هذا جماعة فقهاء الأمصار الذين تدور الفتوى عليهم ، كلهم يقول : إن الجمعة لا تصلى إلا بعد الزوال .

434 - إلا أن أحمد بن حنبل قال : من صلى قبل الزوال لم أعبه .

435 - قال أبو بكر بن أثرم : قلت لأحمد بن حنبل : يا أبا عبد الله . ما ترى في صلاة الجمعة قبل الزوال ؟ فقال : فيها من الاختلاف ما علمت .

[ ص: 251 ] 436 - ثم ذكر ما ذكرنا من الآثار عن أبي بكر ، وعمر ، وابن مسعود ، وجابر ، وسهل بن سعد ، وأنس .

437 - وعن مجاهد : أنها صلاة عيد .

438 - وهي آثار كلها ليست بالقوية ، ولا نقلها الأئمة .

439 - ومن جهة النظر : لما كانت الجمعة تمنع من الظهر دون غيرها من الصلوات - دل على أن وقتها وقت الظهر .

440 - وقد أجمع المسلمون على أن من صلاها وقت الظهر فقد صلاها في وقتها .

441 - فدل ذلك على أنها ليست كصلاة العيد ; لأن العيد لا تصلى بعد الزوال .

442 - حدثنا أحمد بن عبد الله قال : حدثنا الحسن بن إسماعيل قال : حدثنا عبد الملك بن بحر قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الصايغ قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق قال : " صليت خلف علي بن أبي طالب الجمعة بعدما زالت الشمس " .

[ ص: 252 ] 443 - قال سنيد : حدثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل بن سبع ، عن أبي رزين قال : " صليت خلف علي بن أبي طالب الجمعة حين زالت الشمس " .

444 - وعلى هذا مذهب الفقهاء كلهم : لا تجوز الجمعة عندهم ولا الخطبة لها إلا بعد الزوال .

445 - إلا أنهم اختلفوا في سعة وقتها وآخره .

446 - فروى ابن القاسم ، عن مالك قال : وقت الجمعة وقت الظهر لا تجب إلا بعد الزوال ، وتصلى إلى غروب الشمس .

447 - قال ابن القاسم : إن صلى من الجمعة ركعة ثم غربت الشمس صلى الركعة الأخرى بعد المغيب وكانت جمعة .

[ ص: 253 ] 448 - وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهما ، والحسن بن حي : وقت الجمعة وقت الظهر ، فإن فات وقت الظهر بدخول وقت العصر لم تصل الجمعة .

449 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : إن دخل وقت العصر وقد بقي من الجمعة سجدة أو قعدة فسدت الجمعة ، ويستقبل الظهر .

450 - وقال الشافعي : إذا خرج الوقت قبل أن يسلم أتمها ظهرا ، يعني إذا زاد الظل عن المثل على ما قدمناه من قوله وأصله في ذلك .

451 - وهو قول عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون .

452 - وأما قول أبي سهيل ، عن أبيه : ثم نرجع بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحاء - فمعلوم أن من صلى بعد زوال الشمس الجمعة لا يرى في ذلك اليوم ضحى ، فلم يبق إلا ما تأوله أصحابنا : أنهم كانوا يهجرون يوم الجمعة فيصلون في الجامع على ما في حديث ثعلبة بن أبي مالك القرظي : أنهم كانوا يصلون إلى أن يخرج عمر بن الخطاب ، فإذا صلوا الجمعة انصرفوا ، فاستدركوا راحة القائلة والنوم فيها على ما جرت عادتهم ليستعينوا بذلك على قيام الليل . والله أعلم .

453 - وهذا تأويل حسن غير مدفوع .

التالي السابق


الخدمات العلمية