الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1359 [ ص: 104 ] ( 27 ) باب بيع الحيوان باللحم .

1321 - مالك ، عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان باللحم .

1322 - مالك ، عن داود بن الحصين ، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول ، من ميسر أهل الجاهلية بيع الحيوان باللحم ، بالشاة والشاتين .

1323 - مالك ، عن أبي الزناد ، عن سعيد بن المسيب ، أنه كان يقول : نهي عن بيع الحيوان باللحم .

[ ص: 105 ] قال أبو الزناد : فقلت لسعيد بن المسيب : أرأيت رجلا اشترى شارفا بعشرة شياه ؟ فقال سعيد : إن كان اشتراها لينحرها ، فلا خير في ذلك .

29431 - قال أبو الزناد : وكل من أدركت من الناس ينهون عن بيع الحيوان باللحم .

29432 - قال أبو الزناد : وكان ذلك يكتب في عهود العمال . في زمان أبان بن عثمان ، وهشام بن إسماعيل . ينهون عن ذلك .


29433 - قال أبو عمر : لا أعلم حديث النهي عن بيع الحيوان باللحم يتصل عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه ثابت ، وأحسن أسانيده مرسل سعيد بن المسيب على ما ذكره مالك في موطئه .

29434 - وقد روي فيه عن مالك إسناد منكر ، قد ذكرناه في " التمهيد " .

[ ص: 106 ] 29435 - ورواه معمر ، عن زيد بن أسلم ، عن سعيد بن المسيب : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اللحم بالشاة الحية .

قال معمر ، قال زيد بن أسلم : نظرة ، ويدا بيد .

29436 - وقد اختلف الفقهاء في القول بهذا الحديث ، والعمل به ، والمراد منه .

29437 - فكان مالك يقول : معنى هذا الحديث تحريم التفاضل في الجنس الواحد حيوانه بلحمه ، وهو عنده من باب المزابنة ، والغرر ، والقمار ؛ لأنه لا يدري هل في الحيوان مثل اللحم الذي أعطى ، أو أقل ، أو أكثر ، وبيع اللحم باللحم لا يجوز متفاضلا ، فكان بيع الحيوان باللحم كبيع اللحم المغيب في جلده بلحم إذا كانا من جنس واحد ، والجنس الواحد عنده : الإبل والبقر ، والغنم والظباء ، والوعول وسائر الوحوش ، وذوات الأربع المأكولات .

29438 - هذا كله عنده جنس واحد ، لا يجوز بيع شيء من حيوان هذا الصنف والجنس كله بشيء من لحمه بوجه من الوجوه ؛ لأنه عنده من باب المزابنة ، كأنه الزبيب بالعنب ، والزيت بالزيتون ، والشيرج بالسمسم ، ونحو ذلك .

29439 - والطير كله عنده جنس واحد : الدجاج ، والإوز ، والبط ، والحمام ، [ ص: 107 ] واليمام ، والنعام ، والحدأ ، والرخم ، والنسور ، والعقبان ، والبزاة ، والغربان ، وطير الماء ، وطير البر كله ؛ لأنه يرى أكل الطير كله ، سباعه ، وغير سباعه ، ذي المخلب منه ، وغير ذي المخلب .

29440 - والحيتان عنده كلها جنس واحد ، وكذلك كل ما في الأنهار ، والبحار من السمك وغير السمك .

29441 - وقد روي عن مالك أن الجراد وحده صنف واحد .

29442 - وما ذكرت لك من أصله من بيع الحيوان باللحم هو مذهبه المعروف عنه ، وعن جماعة أصحابه إلا أشهب ، فإنه لا يقول بقول مالك في بيع الحيوان باللحم ، ومال فيه إلى مذهب الكوفيين ، ولم يقل فيه بما روي من الحديث عن مالك ، وعمل أهل المدينة ، هذا فيما أحسب مما رواه أبو إسحاق البرقي ، عن أشهب .

29443 - والمعروف عن أشهب أن اللحم الذي لا حياة فيه لا يجوز بيعه بشيء من الحيوان من جنسه ، وإنما ما يقتنى من الحيوان ، لأنه حيوان كله ، فخالف سعيد بن المسيب في الشارف بعشر شياه ، وخالف مالكا ، وابن القاسم في ذلك .

29444 - قال أبو عمر : إذا اختلف الجنسان ، فلا خلاف عند مالك [ ص: 108 ] وأصحابه أنه جائز حينئذ بيع الحيوان باللحم وجائز عندهم بيع ما شئت من الأنعام بما شئت من الطير والحيتان ، وبيع ما شئت من الطير ، والأنعام بما شئت من الحيوان ، ونحو ذلك .

29445 - ولا يجوز عند مالك ، وأصحابه - إلا أشهب - أن يباع الدجاج بطير الماء ، لأن طير الماء لا يقتنى ، فهو كاللحم .

29446 - والأصل في هذا قول سعيد بن المسيب في الشارف إن كان اشتراها ، لينحرها ، فلا يجوز - يعني بيعها - بغنم أحياء .

[ ص: 109 ] 29447 - وكان ابن القاسم لا يجيز حي ما يقتنى بحي ما لا يقتنى لا مثلا بمثل ، ولا متفاضلا ؛ لأنه حيوان بلحم ، وأجاز حي ما لا يقتنى على التحري .

29448 - وأما حي ما يقتنى بحي ما لا يقتنى ، فجائز عندهم متفاضلا ، يدا بيد على ما ذكرنا من أصولهم في بيع الحيوان بعضه ببعض .

29449 - وقال أحمد بن حنبل : لا يجوز بيع اللحم بالحيوان .

29450 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف : لا بأس باللحم بالحيوان من جنسه ، وغير جنسه على كل حال بغير اعتبار .

29451 - وقال محمد بن الحسن : لا يجوز إلا على الاعتبار .

29452 - قال أبو عمر : الاعتبار عنده كالتحري عند ابن القاسم .

29453 - وقال المزني : إن لم يصح الحديث في بيع الحيوان باللحم ، فالقياس أنه جائز ، وإن صح بطل القياس ، واتبع الأثر .

29454 - وقال الليث بن سعد ، والشافعي ، وأصحابه : لا يجوز بيع اللحم بالحيوان على كل حال من الأحوال من جنس واحد كان ، أو من جنسين مختلفين على عموم الحديث .

[ ص: 110 ] 29455 - قال أبو عمر : ذهب الشافعي إلى القول بهذا الحديث ، وإن كان مرسلا ، وأصله ألا تقبل المراسيل ؛ لأنه زعم أنه افتقد مراسيل سعيد بن المسيب ، فوجدها ، أو أكثرها مسندة صحاحا .

29456 - وكره جميع أنواع الحيوان بأنواع اللحوم على ظاهر الحديث ، وعمومه ؛ لأنه لم يأت أثر يخصه ، ولا إجماع ، ولا يجوز عنده أن يخص النص بالقياس ، والحيوان عنده أشهر لكل ما يعيش في البر ، والماء ، وإن اختلفت أجناسه كالطعام الذي هو اسم لكل مأكول ، ومشروب .

29457 - وروي عن ابن عباس أن جزورا نحرت على عهد أبي بكر ، فقسمت على عشرة أجزاء ، فقال رجل : أعطوني جزءا منها بشاة ، فقال أبو بكر : لا يصلح هذا .

29458 - قال الشافعي : ولست أعلم لأبي بكر في ذلك مخالفا من الصحابة .

قال أبو عمر : قد روي عن ابن عباس أنه أجاز بيع الشاة باللحم ، وليس بالقوي .

29459 - وذكر عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب أنه كره أن يباع حي بميت - يعني الشاة المذبوحة بالقائمة .

[ ص: 111 ] 29460 - وقال سفيان : ونحن لا نرى به بأسا .

29461 - قال أبو عمر : للكوفيين في أنه جائز بيع اللحم بالحيوان حجج كثيرة من جهة القياس ، والاعتبار ، لأنه إذا صح الأثر بطل القياس ، والنظر ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية