الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1365 [ ص: 151 ] ( 31 ) باب السلفة في العروض .

1327 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، أنه قال : سمعت عبد الله بن عباس ، ورجل يسأله : عن رجل سلف في سبائب فأراد بيعها قبل أن يقبضها . فقال ابن عباس : تلك الورق بالورق . وكره ذلك .

29558 - قال مالك : وذلك فيما نرى ، والله أعلم ، أنه أراد أن يبيعها من صاحبها الذي اشتراها منه بأكثر من الثمن الذي ابتاعها به ، ولو أنه باعها من غير الذي اشتراها منه ، لم يكن بذلك بأس .


29559 - قال أبو عمر : السبائب عمائم الكتان وغيره ، وقيل : شفق الكتان وغيره ، وقيل : الملاحف .

29560 - وأما بيع ما سلف فيه من العروض قبل قبضها ، فقد اختلف فيها السلف والخلف من العلماء .

29561 - فمنهم من رأى العروض والطعام في ذلك سواء .

29562 - وهو مذهب ابن عباس ، ولذلك كره بيع السبائب للذي سلف فيها [ ص: 152 ] قبل أن يقبضها ، وذلك معروف محفوظ ، عن ابن عباس ؛ لأنه عنده من باب ربح ما لم يضمن على خلاف ما ظنه مالك رحمه الله .

29563 - وروى معمر ، والثوري ، وابن عيينة ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس .

29564 - وعن عمرو بن دينار ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ابتاع طعاما ، فلا يبعه حتى يقبضه " .

29565 - قال ابن عباس : وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام .

29566 - وحجة من ذهب هذا المذهب نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن .

29567 - ومعناه ما كان في ضمان غيره ، فليس له أن يبيعه ؛ لأن المعنى أنه نهي عن بيع ما لم يضمن ، فصار الربح ، وغير الربح في ذلك سواء ؛ لأنه ما جاز بيعه برأس المال ودونه .

29568 - وهذا ما لا خلاف فيه ، فأغنى عن الكلام عليه .

29569 - وروى معمر ، عن أيوب ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف ، وعن شرطين في بيع ، وعن [ ص: 153 ] بيع ما ليس عندك ، وعن ربح ما لم يضمن .

29570 - وروى جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام حتى يستوفى ، وكان يقف أنه لا يباع حتى يقبض ، فدل أنه قبض منه ما فهم ابن عباس .

29571 - وروى حكيم بن حزام ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا ابتعت بيعا ، فلا تبعه حتى تقبضه " .

29572 - وأما اختلافه عن الفقهاء - أئمة الفتوى - في هذا الباب : 29573 - فجملة مذهب مالك فيه أنه قال : لا بأس ببيع غير المأكول والمشروب نحو الثياب والعروض لكل من سلم فيها ، أو اشتراها قبل أن يقبضها ، فمن اشتراها منه إلا أنه إذا سلف فيها ، فلا يجوز بيعها من الذي نهى عليه إلا بمثل رأس المال ، أو أقل ، لا يزيد إلا على رأس ماله ، ولا يؤخذ ، لأنه إن باعه بأكثر كان ذلك فضة ، أو ذهبا بأزيد منها إلى أجل ، وكذلك إذا أخره كان أيضا عنده دينا في دين ، فإن باع منه شيئا مما يسلم فيه إليه من العروض بعرض ، [ ص: 154 ] وكان قد سلم فيه إليه عينا جاز قبل محل الأجل ، وبعده إذا قبض العرض ، ولم يؤخره ، وكذلك لو كان رأس مال المسلم عرضا ، وباعه منه بعرض مخالف خلافا بينا لعرضه الذي سلم فيه ، ويجوز عنده أن يبيعه من غير من أسلم فيه إليه بأقل ، أو أكثر إذا انتقد الثمن .

29574 - وقد بينا مذهب مالك في هذا المعنى ، وغيره في كتاب البيوع من الكتاب " الكافي " .

29575 - وحجة مالك ومن قال بقوله في هذا الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خص الطعام ألا يبيعه كل من ابتاعه حتى يستوفيه ، ويقبضه ، فإدخال غير الطعام في معناه ليس بأصل ، ولا قياس ؛ لأنه زيادة على النص بغير نص .

29576 - وهذا أيضا مذهب أحمد بن حنبل ، وداود بن علي ؛ لأن الله تعالى قد أحل البيع مطلقا إلا ما خصه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وذكره في كتابه .

29577 - وأما حديث حكيم بن حزام ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا ابتعت بيعة ، فلا تبعه حتى تقبضه " ، فإنما أراد الطعام بدليل رواية الحفاظ لحديث حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " إذا ابتعت طعاما ، فلا تبعه حتى تقبضه . "

[ ص: 155 ] 29578 - وقال الشافعي : لا يجوز بيع شيء ابتعته حتى تقبضه طعاما كان أو غيره .

29579 - قال : وكذلك العقار ، والعروض كلها ، وكل ما ملك بشراء أو خلع ، أو نكاح .

29580 - وقال أبو حنيفة : لا يجوز بيع شيء ملك بعقد ، ينتقض العقد بهلاكه قبل القبض كالبيع والإجارة ، إلا العقار ، فإنه يجوز بيعه قبل القبض في ذلك كله .

29581 - قال : وجائز بيع ما ملك بعقد لا ينتقض العقد بهلاكه قبل القبض ، كالمهر ، والجعل في الخلع .

29582 - وقال أبو يوسف ، ومحمد مثل قول أبي حنيفة في ذلك كله ، إلا في العقار ، فإنهما قالا : لا يجوز بيع العقار ، وبيع العقار قبل القبض إذا ملك كالشراء .

29583 - ثم رجع أبو يوسف إلى قول أبي حنيفة .

29584 - وقال الثوري : لا يجوز بيع شيء من المسلم قبل القبض .

29585 - وقال الأوزاعي : من اشترى ثمرة لم يجز له بيعها قبل القبض .

29586 - وقال عثمان البتي : لا بأس أن يبيع كل شيء قبل أن يقبضه ، وإن [ ص: 156 ] كان ما يكال ، أو يوزن .

29587 - قال أبو عمر : قول البتي خلاف السنة الثابتة من أخبار الآحاد العدل ، وخلاف الجمهور ، فلا معنى له ، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام حتى يستوفى ، وروي ذلك من وجوه شتى صحاح كلها .

29588 - وروى أبو الزناد ، عن عبيد بن حنين ، عن ابن عمر ، عن زيد بن ثابت ، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حيث تباع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية