الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
163 [ ص: 90 ] ( 3 ) باب قدر السحور من النداء

137 - مالك عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم " .

[ ص: 91 ] 138 - مالك عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن بلالا ينادي بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم " . ( قال ) : وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى ، لا ينادي حتى يقال له : أصبحت ، أصبحت .


4265 - وقد ذكرنا في التمهيد من وصل حديث ابن شهاب ، فجعله عن [ ص: 92 ] سالم ، عن ابن عمر ( عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) .

[ ص: 93 ] 4266 - وفي هذا الحديث جواز الأذان لصلاة الصبح ليلا ، وفي إجماع المسلمين على أن النافلة لا أذان لها ما دل على أن أذان بلال بالليل إنما كان لصلاة الصبح . والله أعلم .

4267 - وهذا قول علماء أهل الحجاز والشام .

4268 - وممن أجاز الأذان لصلاة الصبح ليلا مالك ، والشافعي ، وأصحابهما ، والأوزاعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وداود ، والطبري ، وهو قول أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي الكوفي .

4269 - وحجتهم حديث هذا الباب ; لأن فيه الإخبار بأن بلالا كان شأنه أن يؤذن للصبح بليل . يقول : فإذا جاء رمضان فلا يمنعكم أذانه من سحوركم ، وكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ; فإن من شأنه أن يقارب الصباح بأذانه .

4270 - وقال أبو حنيفة ، والثوري ، وزفر ، ومحمد بن الحسن ، والحسن بن حي ، وجمهور أهل العراق من التابعين ومن بعدهم - : لا يجوز الأذان لصلاة الفجر حتى يطلع الفجر .

4271 - وعندهم في ذلك آثار كثيرة قد ذكرها جماعة من المصنفين ، منهم ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق ، وقد ذكرنا في " التمهيد " بعضها .

[ ص: 94 ] 4272 - منها : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال : " لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر " .

4273 - ومنها أن بلالا أذن مرة قبل الفجر ، فأمره رسول الله أن يعيد الأذان فينادي : ألا إن العبد قد نام .

4274 - وعرض مثل هذا لعمر مع مؤذن له يقال له : مسروح ، أذن قبل الفجر ، فأمره بمثل ذلك .

4275 - وآثار كثيرة بمثل هذا المعنى عن بلال ، وعن سلف أهل العراق ، إلا أن حديث ابن عمر في هذا الباب أثبت عند أهل العلم بالنقل .

4276 - ومن حجتهم أيضا : أن سائر الصلوات قد أجمعوا أنه لا يجوز لها الأذان قبل وقتها .

4277 - واختلفوا في الصبح ، فواجب أن ترد الصبح قياسا على غيرها ; إذ لم يجمعوا فيها على ما يجب التسليم له .

4278 - والذي أقول به أنه جائز الأذان للصبح قبل الفجر ; لصحة الإسناد بذلك في حديث ابن عمر ، على أن يؤذن لها مع ذلك المؤذن مؤذن آخر قرب الفجر استحسانا واحتياطا .

4279 - وإنما قلت ذلك استحسانا ، ولم نر ذلك واجبا ; لأنا تأولنا في قوله : أصبحت ، أصبحت : قاربت الصباح ; بدليل قوله : " كلوا واشربوا حتى [ ص: 95 ] ينادي ابن أم مكتوم " ، ولو أذن قبل الفجر لم يؤمروا بالأكل إلى وقت أذانه .

4280 - وقد أجمعوا أن الصيام من أول الفجر .

4281 - وشذ في ذلك عنهم من هو محجوج بهم .

4282 - وتأويل مقاربة الصباح موجودة في الأصول ; بدليل قوله : " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف " [ البقرة : 231 ] وهذا معناه قاربن بلوغ أجلهن ، ولو بلغن أجلهن لم يكن لأزواجهن إمساكهن بالمراجعة لهن ، وقد انقضت عدتهن .

4283 - وفي هذا الحديث معان من الصيام ذكرتها عند ذكر هذا الحديث في التمهيد ، وأخرتها في هذا الكتاب إلى كتاب الصيام ; لأنه أولى المواضع بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية