الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
29731 - قال مالك : ومن الغرر والمخاطرة ، أن يعمد الرجل قد ضلت دابته ، أو أبق غلامه ، وثمن الشيء من ذلك خمسون دينارا فيقول رجل : أنا آخذه منك بعشرين دينارا . فإن وجده المبتاع ، ذهب من البائع ثلاثون دينارا ، وإن لم يجده ذهب البائع من المبتاع بعشرين دينارا .

29732 - قال مالك : وفي ذلك عيب آخر . أن تلك الضالة إن وجدت لم يدر أزادت ، أم نقصت ، أم ما حدث بها من العيوب ، فهذا أعظم المخاطرة .


29733 - قال أبو عمر : اختلف الفقهاء في بيع الآبق :

[ ص: 184 ] 29734 - فتحصيل مذهب مالك عند أصحابه أنه لا يجوز بيع الآبق إلا أن يدعي مشتريه معرفته ، فيشتريه ويتواضعان الثمن ، فإن وجده على ما يعرف قبضه ، وجاز البيع ، وإن وجده قد تغير ، أو تلف كان من مال البائع ويرد الثمن إلى المشتري .

29735 - قال مالك : وإذا اشتريت عبدا في إباقه ، فضمانه على البائع ؛ لأن البيع فاسد ، فإن قدرت على العبد ، فقبضته ، لم يجز البيع .

29736 - قال : وإن كان الآبق عند المشتري ، فإن علم البائع حاله جاز البيع ؛ لأنه قد يزيد ، وينقص ، فجائز من أن يعرف البائع حاله كما يعرف المشتري .

29737 - وقال الشافعي ، والحسن بن حي ، والثوري ، وعبيد الله بن الحسن : لا يجوز بيع الآبق على حال .

29738 - قال أبو عمر : لعدم التسليم ، لأن بيع الأعيان غائبه لا يجوز ، وصفت أو لم توصف عند الشافعي ، ولا يجوز عنده بيع الموصوف إلا مضمونا في الذمة .

29739 - وقد أجمعوا أنه من اشترى شيئا من الحيوان معينا ، واشترط ألا يسلمه إلا بعد شهر ، أو نحوه أن ذلك لا يجوز .

29740 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : لا يجوز بيع الآبق إلا أن يكون في يد مشتريه .

[ ص: 185 ] 29741 - وقال عثمان البتي : لا بأس ببيع العبد الآبق ، والبعير الشارد ، وإن هلك ، فهو من مال المشتري ، وإن اختلفا في هلاكه ، فالبينة على المشتري أنه هلك قبل عقد الشراء ، وكذلك المبتاع كله عنده .

29742 - قال أبو عمر : قول عثمان البتي مردود بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ، ولا حجة لأحد في جهل السنة ، ولا في خلافها ، وقد أجمع علماء المسلمين أن مبتاع العبد الآبق ، والجمل الشارد ، وإن اشترط عليه البائع أنه لا يرد الثمن الذي قبضه منه قدر على العبد ، أو الجمل ، ولم يقدر أن البيع فاسد مردود .

29743 - وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث شهر بن حوشب ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء العبد ، وهو آبق ، وعن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع ، وعن شراء ما في ضروعها إلا بكيل ، وعن شراء الغنائم حتى تقسم .

29744 - قال أبو عمر : اختلفوا مما في هذا الحديث في بيع لبن الغنم أياما : 29745 - فقال مالك : لا بأس بذلك إذا عرف حلابها ، ولم يجز ذلك في الشاة الواحدة .

[ ص: 186 ] 29749 - وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهما ، وسائر الفقهاء : لا يجوز ذلك إلا بكيل .

29747 - قال أبو عمر : لم يجيزوا بيع لبن الغنم في ضروعها ، لوجهين : ( أحدهما ) : أن ذلك بيع عين غير مرئية ، ولا معلوم مبلغها ، وقدرها ، لأنها قد تزيد ، وتنقص على قدر المرعى ، والسلامة من الآفات ، وإن كان أياما ، فهو بيع شيء غير مخلوق ، ولأنه لا يتميز الطاوي من اللبن بعد العقد .

29748 - وأجازه مالك ذلك ، لأنه عنده من المعلوم في الأغلب حلاب غنم بأعيانها قد عرف ذلك منها ، وإن اختلفت في الأيام ، فذلك يسير .

29749 - والغرر باليسير معفو عنه عند الجميع .

التالي السابق


الخدمات العلمية