الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1377 1339 - مالك ، عن عثمان بن حفص بن خلدة ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر ، أنه سئل عن الرجل يكون له الدين على الرجل إلى أجل ، فيضع عنه صاحب الحق ، ويعجله الآخر . فكره ذلك عبد الله بن عمر . ونهى عنه .

1340 - مالك ، عن زيد بن أسلم ، أنه قال : كان الربا في الجاهلية ، أن يكون للرجل على الرجل الحق إلى أجل . فإذا حل الأجل ، قال : أتقضي أم تربي ؟ فإن قضى ، أخذ . وإلا زاده في حقه ، وأخر عنه في الأجل .

30102 - قال مالك : والأمر المكروه الذي لا اختلاف فيه عندنا ، أن يكون للرجل على الرجل الدين إلى أجل ، فيضع عنه الطالب ويعجله المطلوب ، قال مالك : وذلك عندنا بمنزلة الرجل الذي يؤخر دينه بعد محله ، عن غريمه ، ويزيده الغريم في حقه . قال : فهذا الربا بعينه ، لا شك فيه .


20103 - قال أبو عمر : قد بين مالك - رحمه الله - أن من وضع من حق له لم يحل أجله يستعجله ، فهو بمنزلة من أخذ حقه بعد حلول أجله لزيادة يزدادها من غريمه لتأخيره ذلك ؛ لأن المعنى الجامع لهما هو أن يكون بإزاء الأمد الساقط [ ص: 260 ] والزائد بدلا وعوضا يزداده الذي يزيد في الأجل ، ويسقط عن الذي يعجل الدين قبل محله . فهذان وإن كان أحدهما عكس الآخر ، فهما مجتمعان في المعنى الذي وصفنا .

30104 - وقد اختلف العلماء في معنى قوله : ضع عني ، وأعجل لك ، ولم يختلفوا في معنى قولهم : إما أن تقضي ، وإما أن تربي إنه الربا المجتمع عليه الذي نزل القرآن بتحريمه .

30105 - ولم تعرف العرب الربا إلا في السنة المذكورة ، فنزل القرآن بذلك ، ثم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذهب بالذهب ، والورق بالورق ، والوزن بالوزن ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، متفاضلا ربا ، وأن النسيئة في الذهب بالورق ، وفي البر بالبر ، وفي الشعير بالشعير ، وفي التمر بالتمر ، وفي الملح بالملح ربا ، وأن ذلك لا يجوز إلا هاء وهاء عند جماعة العلماء .

30106 - وقد أوضحنا مذاهب العلماء في معنى هذه السنة المذكورة المنصوص عليها في حديث عبادة ، وحديث عمر ، والحمد لله .

30107 - فكان هذا من النبي صلى الله عليه وسلم في الربا زيادة على معنى ما نزل به القرآن .

30108 - وأما اختلاف العلماء في : ضع وتعجل ، فإن ابن عباس خالف في ذلك عبد الله بن عمر ، وزيد بن ثابت .

[ ص: 261 ] 30109 - وكذلك اختلف فيها التابعون ، ومن بعدهم من العلماء .

30110 - ذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، قال : أخبرني أبو المنهال عبد الرحمن بن مطعم ، قال : سألت ابن عمر عن رجل لي عليه حق إلى أجل . فقلت : عجل لي وأضع عنك ، فنهاني عنه ، وقال : نهانا أمير المؤمنين أن نبيع العين بالدين .

30111 - قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس أنه سئل عن الرجل يكون له الحق على الرجل ، فيقول : عجل لي وأضع عنك ، قال : لا بأس بذلك .

30112 - وعن ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا أن يقول : عجل لي وأضع عنك .

30113 - قال ابن عيينة : وأخبرني عمرو ، قال : قال ابن عباس : إنما الربا : أخر لي وأنا أزيدك : وليس عجل لي وأضع عنك .

30114 - وروى ابن وهب ، عن سليمان بن بلال ، عن جعفر بن محمد ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن عمر أن رجلا سأله ، فقال : إن لي دينا على رجل إلى أجل ، فأردت أن أضع عنه ، ويعجل لي ؟ فقال : لا تفعل .

[ ص: 262 ] 30115 - واتفق مالك ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما إلا زفر على أن : ضع وتعجل ربا .

30116 - وقال سفيان بن عيينة : تفسير عجل لي وأضع عنك إذا كان لي عليك ألف درهم إلى أجل ، فقلت : أعطني من حقي الذي عندك تسعمائة ، ولك مائة ، فقال بعضهم : ليس به بأس ، والذين كرهوه قالوا : إنما بعت الألف بالتسعمائة .

30117 - واختلف في ذلك قول الشافعي :

30118 - فقال مرة : لا بأس فيه ، ورآه من المعروف .

30119 - ومرة قال : ضع وتعجل لا يجوز .

30120 - وأما زفر بن الهذيل فذكر الطحاوي عن محمد بن العباس ، عن يحيى بن سليمان الجحفي ، عن الحسن بن زياد ، عن زفر في رجل له على رجل ألف درهم إلى سنة ، من متاع أو ضمان ، فصالحه منهما على خمسمائة نقدا ، أن ذلك جائز .

30121 - وأجاز مالك ، وأصحابه أن يتعجل في دينه الأجل عوضا يأخذه ، وإن كانت قيمته أقل من دينه .

30122 - وأجاز الثوري ، والحسن ، وابن سيرين ، وطائفة ممن يرى : ضع [ ص: 263 ] وتعجل ربا .

30123 - وهو مذهب ابن عمر ، لم يختلف عنه أنه لا يقاطع المكاتب إلا بالعروض .

30124 - واختلف عن سعيد بن المسيب في ضع وتعجل :

30125 - فحدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي ، قال : حدثني أبي ، وحدثني عبد الله بن محمد بن يوسف ، قال : حدثني عبد الله بن محمد بن علي ، قال : أملى علي أبو عمر بن أبي زيد ، قال : حدثني ابن وضاح ، قال : حدثني زيد بن البشر ، قال : حدثني ابن وهب ، عن ليث بن سعد ، عن يحيى بن سعيد ، قال : كان الناس يخالفون سعيد بن المسيب في عشر خصال ، فذكرها سعيد ، قال : كان الناس وفيها ، وكان يقول : لا بأس أن تضع من دين لك إلى أجل ، فيعجل لك .

30126 - وذكر عبد الرزاق ، قال أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، وعن ابن عمر ، قال : من كان له على رجل دين إلى أجل معلوم ، فعجل بعضه ، وترك له بعضه ، فهو ربا .

[ ص: 264 ] 30127 - قال عبد الرزاق : وأخبرنا الثوري ، وابن عيينة ، عن داود بن أبي هند ، قال : سألت سعيد بن المسيب عن ذلك ؟ فقال : تلك الدراهم عاجلة بآجلة .

30128 - قال : وأخبرنا الثوري ، عن حماد ومنصور ، عن إبراهيم : في الرجل يكون له الحق على الرجل إلى أجل ، فيقول : ضع عني وأعجل لك ، كان لا يرى بذلك بأسا .

30129 - قال : وأخبرنا ابن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، قال : قلت للشعبي : إن إبراهيم قال في الرجل يكون له الدين على الرجل إلى أجل فيضع له بعضا ، ويعجل له بعضا ، أنه ليس به بأس .

30130 - وكرهه الحكم بن عتيبة .

30131 - فقال الشعبي : أصاب الحكم وأخطأ إبراهيم .

30132 - قال أبو عمر : احتج من لم ير بذلك بأسا بحديث رواه مسلم بن خالد الزنجي ، قال : أخبرنا علي بن يزيد بن ركانة ، عن داود بن الحصين ، عن [ ص: 265 ] عكرمة ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لما أمرنا بإخراج بني النضير جاءه ناس منهم فقالوا : يا نبي الله : إنك أمرت بإخراجنا ، ولنا على الناس ديون لم تحل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ضعوا وتعجلوا " .

30133 - وقال من كره ذلك : جائز أن يكون ذلك قبل نزول القرآن بتحريم الربا .

التالي السابق


الخدمات العلمية