الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
30177 - قال مالك ، في الذي يشتري الطعام فيكتاله ، ثم يأتيه من يشتريه منه ، فيخبر الذي يأتيه أنه قد اكتاله لنفسه واستوفاه ، فيريد المبتاع أن يصدقه ويأخذه بكيله : إن ما بيع على هذه الصفة بنقد فلا بأس به . وما بيع على هذه الصفة إلى أجل فإنه مكروه . حتى يكتاله المشتري الآخر لنفسه .

30178 - وإنما كره الذي إلى أجل ؛ لأنه ذريعه إلى الربا . وتخوف أن يدار ذلك على هذا الوجه بغير كيل ولا وزن ، فإن كان إلى أجل فهو مكروه ، ولا اختلاف فيه عندنا .


30179 - قال أبو عمر : اختلاف العلماء في هذه المسألة في البيع كهذا في السلم .

30180 - وكذلك روى ابن القاسم ، وغيره عن مالك ، قال : إذا قال المسلم [ ص: 275 ] إليه للمسلم : هذا قد كلته ، وصدقه المسلم جاز له أن يأخذه بذلك الكيل .

30181 - وكذلك لو كان المسلم الذي اشتراه من غيره ، وقبضه ، جاز للمسلم أخذه بذلك .

30182 - قال أبو عمر : الذي كرهه مالك ، في البيع إلى أجل ، وجعله ذريعة إلى الربا ، معناه أنه لم يصدقه إلا من أجل الأجل . فكأنه أخذ الأجل ثمنا ؛ لأنه يمكن أن يكون دون ما قاله له من الكيل ، فرضي بذلك الأجل ، فصار كذلك إذا كان ربا ، لما وصفنا ، ولهذا ، والله أعلم ، أدخل مالك هذه المسألة في باب الربا في الدين .

30183 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، والثوري ، والأوزاعي ، والليث بن سعد : إذا اكتال المسلم إليه كراء لنفسه من بائعه ثم سلمه إلى المسلم بغير كيل ، لم يجز ذلك ، وليس له أن يبيعه ولا يتصرف فيه بأكل ولا غيره ، حتى يكتاله .

30184 - قال أبو عمر : أصلهم في هذا أنه لما كان المصدق القابض لما ابتاعه من الطعام من سلم أو غيره ، لا يجوز له أن يبيعه حتى يكتاله بحديث ابن عباس أنه قال : من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله .

[ ص: 276 ] 30185 - وهذا عندهم تفسير معنى حديث ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تبعه حتى تستوفيه " .

30186 - والاستيفاء لا يكون إلا بكيل فيما بيع كيلا كان كذلك سائر التصرف .

30187 - ودل على أن من لم يكتل ولم يستوف على ذلك ، لا يصح قبضه معلوما لإمكان الزيادة فيه والنقصان .

30188 - وقال الشافعي : فإن هلك الطعام فذلك الطعام في يد المشتري قبل أن يكيله ، فالقول قوله في الكيل مع يمينه .

30189 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : إن استهلكه المشتري وتصادفا أنه كراء كان مستوفيا .

30190 - وقال الحسن بن حي : إن استهلكه المشتري ضمنه قيمته ، كالبيع الفاسد .

30191 - وقال أبو ثور : القول فيه قول المشتري مع يمينه ، ويرجع عليه بما بقي وإن باعه كان بيعه جائزا .

30192 - وروى ابن وهب في " موطئه " عن مالك أنه سئل عن رجل ابتاع [ ص: 277 ] من رجل طعاما ، وأخذه بكيله الأقل وصدقه فيه ، فلما جاز به كاله ، فوجد فيه زيادة إردب ، أو إردبين، أترى أن يرد ذلك على البائع ؟ قال : إن كان ذلك شيئا بينا ، فنعم . 30193 - قال أبو عمر : يعني أنه ما زاد على أنه يمكن أن يكون بين الكيلين ، فعليه رده ، وما كان معهودا مثله بين الأكيال ، فليس عليه رده ، وأما إن وجده ناقصا فالقول قول البائع عند مالك مع يمينه ؛ لأنه قد صدقه المشتري إذا قبضه منه بقوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية