الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
30203 - قال مالك : الأمر عندنا ، أنه لا بأس بالشرك والتولية والإقالة منه في الطعام وغيره ، قبض ذلك أو لم يقبض ، إذا كان ذلك بالنقد ، ولم يكن فيه ربح ولا وضيعة ولا تأخير للثمن ، فإن دخل ذلك ربح أو وضيعة أو تأخير من واحد منهما ، صار بيعا يحله ما يحل البيع ، ويحرمه ما يحرم البيع ، وليس بشرك ولا تولية ولا إقالة .


30204 - قال أبو عمر : لا خلاف بين العلماء أن الإقالة إذا كان فيها نقصان أو زيادة أو تأخير أنها بيع ، وكذلك التولية ، والشركة ، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن [ ص: 11 ] بيع الطعام حتى يستوفى .

30205 - وإنما اختلفوا في الإقالة على وجهها بلا زيادة ، ولا نقصان ، لا نظرة ، ولا هي بيع ، فيحل فيها ، ويحرم ما يحل في البيع ويحرم ، أم هي معروف ، وإحسان ، وفعل خير ، وليست ببيع ، وكذلك الشركة ، والتولية .

30206 - وكذلك ذهب مالك إلى أن الشركة ، والتولية ، والإقالة جائز ذلك كله في السلم قبل قبضه ، وفي الطعام كله ; لأنه من فعل الخير وصنع المعروف .

30207 - والحجة له قوله عز وجل : وافعلوا الخير [ الحج : 77 ] .

30208 - وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كل معروف صدقة " .

30209 - وقد لزم الإقالة ، والتولية والشركة اسم غير اسم البيع ، فكذلك جاز ذلك في السلم ، والطعام قبل الاستيفاء ، والقبض .

30210 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، والثوري ، والليث بن [ ص: 12 ] سعد : لا تجوز التولية ، والشركة في السلم قبل القبض ، ولا في الطعام المأخوذ بعوض قبل القبض .

30211 - وأما الإقالة ، فاختلافهم هل هي بيع أم فسخ على ما أضيف لك بقول مالك ما تقدم ذكره أنها معروف ، وإحسان .

30212 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما : الإقالة قبل القبض فسخ بيع .

30213 - وقال أبو حنيفة : هي بعد القبض فسخ أيضا ، ولا تقع إلا بالثمن الأول لا زيادة ، ولا نقصان ، سواء تقابلا بزيادة ، أو نقصان ، أو ثمن غير الأول .

30214 - وهو قول الشافعي .

30215 - وقال أبو يوسف : هي بيع بعد القبض ، وتجوز بالزيادة ، والنقصان ، وبثمن آخر .

30216 - ولأبي حنيفة ، وأصحابه في هذا المعنى كثير مذكور في كتبهم ، قد ذكرنا كثيرا منه في غير هذا الموضع .

30217 - وقال الشافعي : إن أقاله على زيادة ، أو نقصان بعد القبض ، فلا خير فيه ; لأن الإقالة فسخ ، وليست ببيع .

30218 - قال أبو عمر : قد أجمعوا أن الإقالة بيع جائز في السلف برأس [ ص: 13 ] المال ، ولو كانت بيعا دخلها بيع الطعام قبل أن يستوفى ، وبيع ما ليس عند البائع ، فدل على أنهما فسخ بيع ما لم تكن فيها زيادة ، أو نقصان ، وإنما يستغنى عن ذكر الثمن ، وهو معروف عند مالك على ما تقدم ، إلا أن حكمها عند حكم البيع المستأنف ، والعهدة على المشتري فيما قبض وبان به إلى نفسه ، ثم ظهر به عيب عنده .

30219 - ولم يختلف قوله ، ولا قول أصحابه في الجارية المواضعة للحيضة إذا وقعت الإقالة بعد قبض سترها لها وعينه عليها أن العهدة عليه ، والمصيبة منه .

30220 - واختلف ابن القاسم ، وأشهب : لو ماتت الجارية ، ولم يبن بها حمل .

30221 - فقال ابن القاسم على أصله : المصيبة فيها على المشتري .

30222 - وقال أشهب : المصيبة فيها من البائع المقالي ، وليس هذا الموضع بموضع لذكر هذا المعنى ، وإنما يذكر في الباب معناه دون ما سواه ، وبالله التوفيق .

30223 - وقال الأوزاعي : يجوز أن يقول المشتري للبائع : أقلني ، ولك دراهم ، ويقول له البائع : أقلني ، وأعطيك كذا بكذا درهما ، وأنه لا بأس [ ص: 14 ] بذلك .

30224 - وقال في رجل اشترى طعاما ، ولم يقبضه حتى قال : أقلني ، وأعطيك كذا وكذا درهما أنه لا بأس بذلك .

30225 - قال أبو عمر : قد مضى في صدر كتاب البيوع من الإقالة ما يوجب أن يكون قول الأوزاعي هذا فيه .

30226 - ذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : لا بأس بالتولية ، إنما هو معروف .

30227 - قال : وأخبرنا معمر ، عن أيوب عن الحسن مثله .

30228 - قال : وقال ابن سيرين : لا حتى يقبض ويكال .

30229 - قال : وأخبرنا معمر ، عن ربيعة ، قال : التولية ، والإقالة ، والشركة سواء ، لا بأس به .

30230 - قال : وأخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا مستفاضا بالمدينة ، قال : من ابتاع طعاما ، فلا يبعه حتى يقبضه ويستوفيه ، إلا أن يشرك فيه أو يوليه ، أو يقيله .

[ ص: 15 ] 30231 - وروى داود بن عبد الرحمن ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، قال : كل بيع لا يجوز بيعه حتى يقبض إلا التولية ، والشركة ، والإقالة .

30232 - قال داود : وأخبرني رجل ، عن مجاهد مثله .

30233 - وأما الذين جعلوا ذلك بيعا ، فلم يجيزوا أشياء منه .

30234 - ذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، قال : التولية بيع في الطعام ، وغيره .

30235 - قال : وأخبرنا الثوري ، عن جابر ، عن الشعبي ، وعن سليمان التيمي ، عن الحسن ، وابن سيرين ، وعن فطر ، عن الحكم ، قالوا : التولية بيع .

20236 - وقال الثوري : من اشترى شيئا فلا يؤله ، ولا يشرك فيه ، ولا يبعه حتى يقبضه مما يكال ، أو يوزن ، أو غير ذلك ; لأن كل هذا عندنا بيع .

التالي السابق


الخدمات العلمية