الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
30311 - قال مالك : ومن اشترى سلعة من السلع ; غزلا أو متاعا أو بقعة من الأرض ، ثم أحدث في ذلك المشترى عملا ، بنى البقعة دارا ، أو نسج الغزل ثوبا . ثم أفلس الذي ابتاع ذلك ، فقال رب البقعة : أنا آخذ البقعة وما فيها من البنيان : إن ذلك له ، ولكن تقوم البقعة وما فيها مما أصلح المشتري ، ثم ينظر كم ثمن البقعة ؟ وكم ثمن البنيان من تلك القيمة ؟ ثم يكونان شريكين في ذلك ، لصاحب البقعة بقدر حصته ، ويكون للغرماء بقدر حصة البنيان .

30312 - قال مالك : وتفسير ذلك أن تكون قيمة ذلك كله ألف درهم وخمسمائة درهم ، فتكون قيمة البقعة خمسمائة درهم وقيمة البنيان [ ص: 37 ] ألف درهم ، فيكون لصاحب البقعة الثلث ، ويكون للغرماء الثلثان .

30313 - قال مالك : وكذلك الغزل ، وغيره ، مما أشبهه ، إذا دخله هذا ، ولحق المشتري دين لا وفاء له عنده ، وهذا العمل فيه .


30314 - قال أبو عمر : قال الشافعي فيما روى الربيع ، وغيره عنه : ولو كانت السلعة دارا فبنيت ، أو بقعة ، فغرست ، ثم أفلس الغريم ردت للبائع الدار كما كانت ، والبقعة حين باعها ، ولم أجعل له الزيادة ، ثم خيرته بين أن يعطي قيمة العمارة ، والغراس ، ويكون ذلك له ، أو يكون له ما كان من الأرض لا عمارة فيها ، وتكون العمارة الحادثة فيها تباع للغرماء سواء بينهم ، إلا أن يشاء الغرماء والغريم : أن يقلعوا البنيان ، والغرس ، ويضمنوا لرب الأرض ما نقص الأرض القطع ، فيكون ذلك لهم .

30315 - قال : ولو باع أرضا ، فغرسها المشتري ، ثم أفلس ، فأبى رب الأرض أن يأخذ الأرض بقيمة الغرس الذي فيها ، وأبى الغرماء ، أو الغريم أن يقلعوا الغرس ، ويسلموا الأرض إلى ربها ، لم يكن لرب الأرض إلا الثمن الذي باع به الأرض يحاص به الغرماء .

30316 - قال أبو عمر : تلخيص قول الشافعي في ذلك أن للبائع ما فيه من [ ص: 38 ] الأرض ، وأما ما كان فيه بناء ، فهو مخير إن شاء أعطى قيمة البناء ، وأخذ الأرض والبناء ، وإن شاء ضرب مع الغرماء ليس له غير ذلك .

30317 - وأما الكوفيون ، فعلى ما قدمت لك ، مال المفلس كله عندهم للغرماء ، الذي فلسه القاضي لهم دون صاحب المساقاة ، وهو فيها كأحدهم .

30318 - وقال الشافعي : ومن باع أرضا فزرعها المشتري ، ثم فلس ، قيل لصاحب الأرض : إن شئت ، فلك الأرض إذا حصد الطعام ، وإن شئت ، فاضرب مع الغرماء .

30319 - قال : والغريم يأخذ ماله بعينه إذا وجده عند مفلس ، وقد وقف القاضي ماله ، يأخذه ناقصا في بدنه إن شاء ، وزائدا ، ولا يمنع من أخذه بعينه لسمن ، ولا لهزال إن أراد أخذ سلعته بعينها ، وليس له غيرها إلا أن يشاء تركها ، والضرب بثمنها مع الغرماء ، فذلك له وكل ما استغله المشتري فيها قبل توقيف القاضي ماله ، فهو له بضمانه على سنة الغلة ، والخراج في القيام بالعيب .

30320 - قال : ولو كانت السلعة قمحا ، فطحنه ، أخذ الغريم الدقيق ، وغرم ثمن الطحن ، وإن شاء أخذ الدقيق ، ويكون الغرماء شركاءه في قيمة الطحن .

30321 - والطحان عند الشافعي إسوة الغرماء .

[ ص: 39 ] 30322 - وله قول آخر ، رواه الربيع : أن للطحان حبس الدقيق حتى يأخذ حقه كالرهن .

30323 - قال الشافعي : وإن اشترى ثوبا ، فصبغه ، أو خاطه ، أو قصره ، فالغرماء شركاء في قيمة الصبغ ، وأما القصار ، والخياط ، فإسوة الغرماء ; لأن عملهم ليس بشيء قائم بعينه مثل الصبغ في الثوب .

30324 - واختلف قول ابن القاسم في الحائك يجد الثوب الذي نسجه بيد ربه مفلسا :

30325 - فروى عيسى عن ابن القاسم أن كل صانع يجد صنعته عند مفلس وليس فيها غير عمل يده فهو أسوة الغرماء .

30326 - وروى أبو زيد عنه أنه شريك بالنسج ، كما يكون الصباغ شريكا بالصبغ .

30327 - وقال سحنون : والخياط شريك لخياطته .

30328 - وخالف سحنون ابن القاسم في الأجير على السقي في الزرع والثمرة إذا أفلس صاحبها ; قال ابن القاسم : هو إسوة الغرماء ، وقال سحنون : بل هو كالصباغ ، هم أحق بما في أيديهم في الموت والفلس .

[ ص: 40 ] 30329 - والاختلاف في هذا الباب كثير بينهم ، قد ذكرناه في كتاب اختلافهم ، وذكرنا ما يحصل عليه المذهب في الكتاب " الكافي " ، والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية