الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 123 ] ( 2 ) باب ما يجوز في القراض

1361 - قال مالك : وجه القراض المعروف الجائز ، أن يأخذ الرجل المال من صاحبه ، على أن يعمل فيه ، ولا ضمان عليه ، ونفقة العامل في المال ، في سفره من طعامه وكسوته ، وما يصلحه بالمعروف ، بقدر المال إذا شخص في المال ، إذا كان المال يحمل ذلك ، فإن كان مقيما في أهله ، فلا نفقة له من المال ، ولا كسوة .


30717 - قال أبو عمر : أما قوله في وجه القراض الجائز المعروف أن يأخذ الرجل من الرجل المال على أن يعمل فيه ، ولا ضمان عليه .

[ ص: 124 ] 30718 - ولا خلاف بين العلماء أن المقارض مؤتمن ، لا ضمان عليه ، فيما يتلفه من المال من غير جناية منه فيه ولا استهلاك له ، ولا تضييع ، هذه سبيل الأمانة ، وسبيل الأمناء .

30719 - وكذلك أجمعوا أن القراض لا يكون إلا على جزء معلوم من الربح نصفا كان ، أو أقل أو أكثر .

30720 - ذكر عبد الرزاق ، عن قيس بن الربيع ، عن أبي حصين ، عن الشعبي ، عن علي - رضي الله عنه - قال في المضاربة : الوضيعة على رب المال ، والربح على ما اصطلحوا عليه .

30721 - ورواه الثوري ، عن أبي حصين ، عن علي .

30722 - وروي ذلك عن قتادة ، وابن سيرين ، وأبي قلابة ، وجابر بن زيد ، وجماعة .

30723 - ولا أعلم فيه خلافا إلا أن يشترط رب المال على العامل الضمان فإن اشترط ذلك عليه :

[ ص: 125 ] 30724 - فقال مالك : لا يجوز ذلك القراض ، ويرد إلى قراض مثله .

30725 - وقد روي عنه : إلى أجرة مثله .

30726 - وهو قول الشافعي .

30727 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : المقارضة جائزة ، والشرط باطل .

30728 - وأما قوله : " ونفقة العامل من المال في سفره . . إلى آخر كلامه " ، فإن الفقهاء اختلفوا في ذلك :

30729 - فقال مالك ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما : ينفق العامل من المال إذا سافر ولا يكون حاضرا ، إلا مالكا قال : إذا كان المال كثيرا ، فحمل ذلك ونحو ذلك .

30730 - وقال الثوري : ينفق ذاهبا ولا ينفق راجعا .

30731 - وقال الليث بن سعد : يتغذى في المصر ، ولا يتعشى .

30732 - وقال الشافعي : لا ينفق في سفره ، ولا في حضره إلا بإذن رب المال .

30733 - وقال أصحابه : في المسألة ثلاثة أقوال :

[ ص: 126 ] ( أحدها ) : هذا .

( والآخر ) : مثل قول مالك .

( والآخر ) : ينفق في المصر بقدر ما بين نفقة السفر والحضر .

30734 - وله في قرض نفقته قولان :

( أحدهما ) : أنه يقرض له النفقة .

( والثاني ) : لا يقرض له ، وينفق هو .

30735 - والمشهور عن الشافعي : أنه لا ينفق في الحضر .

30736 - وهو قول مالك ، وأبي حنيفة ، والثوري .

30737 - وقال ابن القاسم : إذا كان للعامل في القراض أهل في البلد الذي يسافر إليه ، فلا نفقة له في ذهابه ، ولا رجوعه .

30738 - وقال أشهب : له النفقة في ذهابه ، ورجوعه ، ولا نفقة له في مقامه عند أهله .

30739 - ولم يختلف قولهما أنه لا نفقة له إذا كان مقيما في أهله .

30740 - وهو قول مالك .

[ ص: 127 ] 30741 - وقال ابن المواز : قال لي عبد الله بن عبد الحكم في الذي يأخذ المال ببلده ، وهو يريد الخروج إلى بلد آخر في حاج ، ويريد بذلك المال ، قال : أحب إلينا أن لا تكون له نفقة كالذي يكون بغير بلده ، فيتجهز يريد الرجوع إلى بلده ، فأعطاه رجل مالا قراضا ، فإنه لا نفقة له فيه ، وإنما النفقة للذي يخرج من أجل القراض خاصة ، وكالذي يخرج إلى الحج أنه لا نفقة له .

30742 - قال ابن المواز : وروى ابن القاسم عن مالك في التاجر له المال ويأخذ مالا قراضا ، ويخرج في السفر أنه يلزم القراض حصته من نفقة العامل .

30743 - وقال قتادة : النفقة في الربح ، والربح على ما اصطلحوا عليه ، والوضيعة في المال .

30744 - وقال ابن سيرين : ما أنفق المضارب على نفسه ، فهو دين عليه .

30745 - وقال إبراهيم : يأكل ويلبس بالمعروف .

وقال الحسن : يأكل بالمعروف .

[ ص: 128 ] 30745 م - قال أبو عمر : القياس عندي ألا يأكل المقارض في سفر ، ولا حضر ولا على أنه لا يجوز القراض على جزء مجهول من الربح ، وهو إذا أطلق له الإنفاق لم تكن له حصته من الربح ، ولا حصة ربح المال معلومة ، وأيضا فإنه ربما اغترفت النفقة كثيرا من المال ، ولم يكن ربح .

30746 - ولما أجمع الجمهور أنه لا ينفق في الحضر ، وهو يتعب في الشراء ، والبيع ، وينصب ، كان كذلك في السفر ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية