الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
166 142 - وأما ما ذكره أيضا في هذا الباب عن ابن شهاب ، عن علي بن حسين بن أبي طالب ; أنه قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع ، فلم تزل تلك صلاته حتى لقي الله .

[ ص: 114 ] 143 - وعن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ; أن أبا هريرة كان يصلي لهم ، فيكبر كلما خفض ورفع ، فإذا انصرف قال : والله إني لأشبهكم بصلاة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

144 - وعن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ; أن عبد الله بن عمر كان يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع .

145 - وعن أبي نعيم وهب بن كيسان ، عن جابر بن عبد الله ; أنه كان يعلمهم التكبير في الصلاة . قال : فكان يأمرنا أن نكبر كلما خفضنا ورفعنا .


4356 - وقد ذكرنا في " التمهيد " الآثار المروية المسندة في معنى حديث ابن شهاب عن علي بن حسين هذا ، منها حديث مطرف بن الشخير ، قال : صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب ، فكان إذا سجد كبر ، وإذا رفع رأسه كبر ، وإذا رفع من الركعتين كبر . فلما قضى الصلاة وانصرفنا ، أخذعمران بيدي ، فقال لي : [ ص: 115 ] أذكرني هذا صلاة محمد ، عليه السلام .

4357 - وحديث عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري ; أنه جمع قومه ، فقال : ألا أصلي لكم صلاة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؟ فصلى بهم الظهر ، فكبر بهم اثنتين وعشرين تكبيرة ; يعني بتكبيرة الافتتاح : يكبر إذا ركع ، وإذا رفع ، وإذا سجد .

4358 - وحديث عكرمة ، قال : صليت خلف شيخ بمكة ، فكبر اثنتين وعشرين تكبيرة ، فقلت لابن عباس : إنه أحمق ، فقال : ثكلتك أمك ! سنة أبى القاسم .

4359 - وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في التمهيد .

4360 - وحديث الزهري عن أبي سلمة وأبي بكر بن عبد الرحمن ; أن أبا هريرة صلى لهم حين استخلفه مروان على المدينة ، فكبر حين قام إلى الصلاة ، وحين ركع ، [ ص: 116 ] وحين رفع رأسه ، وحين يهوي ساجدا ، وحين يقوم من اثنتين ، وبين السجدتين . ثم قال : والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

4361 - وقد ذكرنا هذا الحديث عن الزهري باختلاف أصحابه عليه في إسناده ، وألفاظه في التمهيد .

4362 - وهو حديث ثابت من رواية مالك وغيره عن الزهري . ولم يختلف في معناه : أن أبا هريرة كان يكبر بهم في كل خفض ورفع ، ويقول لهم : هذه صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كما قال ابن عباس : سنة أبي القاسم .

4363 - وهذا كله يدل على أن التكبير في الخفض والرفع لم يكن مستعملا عندهم ، ولا ظاهرا فيهم ، ولا مشهورا من فعلهم في صلاتهم . ولو كان ذلك ما كان أبو هريرة يفعله ، ويقول : إنه أشبههم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أنكر عكرمة على الشيخ ما قال له ابن عباس فيه : إنه السنة ، ولا قال عمران بن حسين في مثل ذلك من صلاة علي : لقد أذكرني هذا صلاة محمد - عليه السلام - .

[ ص: 117 ] 4364 - ومثل هذا وأبين حديث أبي إسحاق السبيعي عن يزيد بن أبي مريم ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : صلى بنا علي يوم الجمل صلاة أذكرنا بها صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; كان يكبر في كل خفض ، ورفع ، وقيام ، وقعود ، قال أبو موسى : فإما نسيناها وإما تركناها عمدا .

4365 - وروى الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير ، قال : حدثني أبو سلمة ، قال : رأيت أبا هريرة يكبر هذا التكبير الذي ترك الناس ، قال : فقلت : يا أبا هريرة ، ما هذا التكبير ؟ فقال : إنها لصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

4366 - وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث كلها في التمهيد .

4367 - وهذا يدلك على أن التكبير في غير الإحرام لم ينقله السلف من الصحابة والتابعين على الوجوب ، ولا على أنه من مؤكدات السنن ، بل قد قال قوم من أهل العلم : إن التكبير إنما هو إذن بحركات الإمام ، وشعار الصلاة ، وليس بسنة إلا في الجماعة . وأما من صلى وحده فلا بأس عليه ألا يكبر .

4368 - ولهذا ما ذكر مالك في هذا الباب حديثه عن ابن شهاب ، عن علي بن حسين ، وعن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعين ، وعن ابن عمر وجابر فعلهما - ليبين بذلك أن التكبير في كل خفض ورفع سنة مسنونة ، وإن لم يعمل بها إلا بعض الصحابة ; فالحجة في السنة لا فيما خالفها .

[ ص: 118 ] 4369 - ومما يدلك على ما وصفنا ما ذكره ابن أبي ذئب في موطئه عن سعيد بن سمعان ، عن أبي هريرة أنه قال : ثلاث كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعلهن ، تركهن الناس ; كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدا ، وكان يقف قبل القراءة هنية [ ص: 119 ] يسأل الله من فضله ، وكان يكبر كلما خفض ورفع .

4370 - وروى أبو إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه ، وعلقمة عن عبد الله بن مسعود ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر في كل ركوع ، وسجود ، وخفض ، ورفع .

4371 - وقد ذكرنا إسناده في التمهيد .

4372 - وقد روي عن النبي - عليه السلام - حديث ليس في الاشتهار ، ولا في الصحة - كأحاديث مالك في هذا الباب . ورواه شعبة بن الحجاج عن الحسن بن عمران ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، قال : صليت مع النبي - عليه السلام - فلم يتم التكبير ، وصليت مع عمر بن عبد العزيز فلم يتم التكبير .

4373 - وقال إسحاق بن منصور : سمعت أحمد بن حنبل يقول : يروى عن ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده . قال : وكان قتادة يكبر إذا صلى وحده . قال أحمد : وأحب إلي أن يكبر من صلى وحده في الفرض ، وأما التطوع فلا .

4374 - قال : وقلت لأحمد : ما الذي نقصوا من التكبير ؟ قال : إذا انحط إلى السجود من الركوع ، وإذا أراد أن يسجد السجدة الثانية من كل ركعة .

4375 - قال أبو عمر : ما رواه مالك عن ابن شهاب ، عن سالم بن [ ص: 120 ] عبد الله بن عمر أن أباه كان يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع - يرد ما حكى عنه أحمد بن حنبل ، إلا أن يحمل على المجمل والمفسر ، فيكون حديث مالك إذا صلى إماما أو مأموما ، ويكون معنى ما حكى عنه أحمد إذا صلى وحده .

4376 - وقد روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار ، عن عون بن عبد الله ، قال : قال لي عمر بن عبد العزيز : أرضي كان عندك عمر وابنه ؟ فإنهما كانا لا يكبران هذا التكبير في الخفض والرفع .

4377 - وسفيان عن عمرو بن دينار ، قال : قال لي أبو الشعثاء يا عمرو ، صليت خلف ابن عباس بالبصرة ، فلم يكبر هذا التكبير .

التالي السابق


الخدمات العلمية