الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 160 ] ( 8 ) باب التعدي في القراض

1367 - قال مالك : في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا ، فعمل فيه فربح ، ثم اشترى من ربح المال أو من جملته جارية ، فوطئها ، فحملت منه ، ثم نقص المال ، قال مالك : إن كان له مال ، أخذت قيمة الجارية من ماله ، فيجبر به المال ، فإن كان فضل بعد وفاء المال ، فهو بينهما على القراض الأول ، وإن لم يكن له وفاء ، بيعت الجارية حتى يجبر المال من ثمنها .


30886 - قال أبو عمر : ذكر ابن وهب هذه المسألة في موطئه على ما في " الموطأ " ، لم يعتبر فضل قيمة الجارية يوم وطئها ، وإنما اعتبر قيمتها في الوقت الذي وفى به المال رأس ماله .

30887 - قال ابن وهب : ثم رجع عنه وقال أقف فيه .

30888 - وقال الأوزاعي : إذا وطئها قبل أن يقع له ربح في المال ، فعليه حد الزاني ، وإن كان له فيها ربح جلد مائة جلدة إن كان محصنا ، فإن حملت قومت ، ودفعت إليه ، ورد على صاحب المال ما قارضه فيه .

30889 - وقال الليث : إذا ابتاع جاريتين ، فأعتق إحداهما ، وأحبل [ ص: 161 ] الأخرى ، فإنهما ينتزعان منه جميعا ويكون الولد لأبيه بقيمته ، فما نقص من القراض ، فعليه ضمانه ، وما زاد ، فهو بينهما ، ولم يذكر فرقا بين أن يكون ثمن كل واحدة منهما أكثر من رأس المال ، أو مثله .

30890 - وقياس قول الشافعي أنه إن وطئ الجارية التي اشتراها من مال القراض كان عليه صداقها ; لدرء الحد عنه بالشبهة ، ولأنه لا يملك منها شيئا ملكا صحيحا ; لأنه لا يستحق من الربح شيئا إلا بعد حصول رأس المال ناضا كما أخذه ، وتباع الجارية في القراض إن لم تحمل ، فإن حملت ضمنها ، فإن كان موسرا جعل قيمتها في القراض ، وإن كان معسرا بيعت ; لأنها مال غيره أراد استهلاكه ، ولا مال له .

30891 - هذا قياس قوله عندي ، ولم أجد هذه المسألة في شيء من كتبه في القراض إلا أنه قال في كتاب القراض : ولو اشترى العامل أباه بمال رب المال ، فسواء كان في المال فضل أو لم يكن ولا يعتق عليه ; لأنه لا شيء له في المال قبل أن ينض ، وهو لا ينض إلا وقد باع أباه .

30892 - قال : ولو كان يملك من الربح قبل أن يكون المال نضا ، كان شريكا ، وكان له النماء والنقصان ; لأن من ملك شيئا زائدا ملكه ناقصا .

30893 - وليس هذا سنة القراض ؟ لأنه ليس بشريك في نماء ، ولا [ ص: 162 ] نقصان ، وإنما له إذا حصل رأس المال حصته من الربح حينئذ وله في الزكاة في حصة العامل في القراض قولان ، هذا أظهرهما في مذهبه .

30894 - ولم يختلف قوله : إن العامل لو اشترى بالمال عبدا ، أنه لا يجوز عتقه ، ولا يقومن عليه إن كان موسرا .

30895 - وأما أبو حنيفة ، وأصحابه ، فمذهبهم أن المضارب لو اشترى بمال المضاربة عبدا فيه فضل ، أو اشتراه ولا فضل فيه ، ثم صار فيه فضل كان المضارب مالكا لحصته من ذلك الفضل ما كان الفضل موجودا .

30896 - قالوا : ولو أعتق المضارب العبد ، وفيه فضل جاز عتقه فيه ، وكان كعبد بين رجلين ، أعتقه أحدهما ففي قياس قولهم : إذا وطئ العامل جارية في مال القراض ، وفيه فضل كان حكمه كحكم الشريكين في الجارية ، يطؤها أحدهما ، وإن لم يكن في المال فضل ، لا حين الشراء ، ولا حين الوطء ، فهو كمن وطئ مال غيره .

30897 - وأما مالك ، وأصحابه ، فقالوا : إذا وطئ العامل جارية من مال [ ص: 163 ] القراض فحملت ، فإن كان مليئا غرم قيمتها ، وكانت القيمة قراضا ، وصارت له أم ولد ، وهذا قول ابن القاسم ، وأشهب ، وعبد الملك ، وغيرهم .

30898 - واختلفوا إذا كان معدما : فروى ابن القاسم ، عن مالك ، أنه يتبع بالثمن دينا ، وقاله ابن القاسم .

30899 - وقال سحنون : هذا كلام غير معتدل ، وأرى أن تباع عليه إلا أن يكون فيها فضل ، فيباع منها بالقيمة ، والباقي يكون منها بحساب أم ولد .

30900 - وروى عيسى ، عن ابن القاسم أنه قال : إن كان استسلف المال من القراض ، فاشترى به الجارية ، فالثمن عليه دينا يتبع به مليئا كان أو معدما ، وأما إذا عدا عليها ، وهي من مال القراض ، فإنها تباع إن لم يكن له مال .

30901 - قال عيسى : ويتبع بثمن الولد إلا أن يكون له ربح ، فيكون بمنزلة الجارية بين الشريكين يطؤها أحدهما ، وإن ضمنها قيمتها يوم الوطء فلا شيء له من قيمة الولد .

[ ص: 164 ] 30902 - وذكر ابن حبيب ، قال : إذا استسلف من المال ، فعليه الأكثر من قيمتها ، أو من الثمن ; لأنه منعه وقد كان لرب المال الخيار في ذلك قبل الحمل ، فكذلك بعد الحمل .

30903 - وروى أبو زيد ، عن ابن القاسم أنه إن لم يظهر ذلك بعد الحمل إلا بإقرار السيد الوطء لم يقبل قوله ; لأنه يريد بيع أم ولده .

التالي السابق


الخدمات العلمية