الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
175 150 - وقراءة ابن عمر في كل ركعة بأم القرآن وسورة ، وربما قرأ السورتين ، والثلاث في ركعة .


4463 - فكل ذلك من المباح الجائز : أن يقول المرء بما شاء مع أم القرآن ، ما لم يكن إماما يطول على من خلفه .

4464 - وبنحو ذلك تواترت الآثار في القراءة عن النبي - عليه السلام - في الصلاة : مرة يخفف ، وربما طول . صنع ذلك في كل صلاة .

4465 - وهذا كله يدل على أن لا توقيت في القراءة عند العلماء بعد فاتحة [ ص: 140 ] الكتاب .

4466 - وهذا إجماع من علماء المسلمين ، ويشهد لذلك قوله ، عليه السلام : " من أم الناس فليخفف " ، ولم يحد شيئا .

4467 - وإنما اختلفوا في أقل ما يجزئ من القراءة ، وفي أم القرآن : هل [ ص: 141 ] يجزئ منها غيرها من القرآن ، أم لا ؟ .

4468 - وأجمعوا أن لا صلاة إلا بقراءة .

[ ص: 142 ] 4469 - وقد قال الشافعي ببغداد : تسقط القراءة عمن نسي ، فإن النسيان موضوع ، ثم رجع عن هذا بمصر ; فقال : لا تجزئ صلاة من يحسن فاتحة الكتاب إلا بها ، ولا يجزئه أن ينقص منها حرفا ، فإن لم يقرأها ، أو نقص منها حرفا ، أعاد الصلاة ، وكذا إن قرأ بغيرها .

4470 - قال أبو عمر : أظن قول الشافعي القديم دخلت الشبهة فيه عليه بما روي عن عمر ; أنه صلى المغرب ، فلم يقرأ فيها ، فذكر ذلك له ، فقال : كيف كان الركوع والسجود ؟ قيل : حسن . قال : لا بأس إذن .

4471 - وهذا حديث منكر ، وقد ذكره مالك في الموطأ ، وهو عند بعض رواته ، ليس عند يحيى وطائفة معه ; لأنه رماه مالك من كتابه بأخرة ، وقال : ليس عليه العمل ; لأن النبي - عليه السلام - قال : " كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج " .

4472 - قال أبو عمر : وقد روي عن عمر أنه أعاد تلك الصلاة ، وهو الصحيح عنه .

4473 - وروى يحيى بن يحيى النيسابوري ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن [ ص: 143 ] الأعمش ، عن إبراهيم النخعي ، عن همام بن الحارث - أن عمر نسي القراءة في المغرب ، فأعاد الصلاة .

4473 - وهو حديث متصل ، وحديث مالك مرسل عن عمر لا يصح ، والإعادة عنه صحيحة ، رواها عن عمر جماعة ، منهم : همام ، وعبد الله بن حنظلة ، وزياد بن عياض . وكلهم لقي عمر ، وسمع منه ، وشهد القصة ، وروى الإعادة عن عمر أيضا غيرهم .

4474 - وذكر عبد الرزاق عن عكرمة بن عمار ، عن ضمضم بن جوس ، عن عبد الله بن حنظلة - قال : صليت مع عمر ، فلم يقرأ ، فأعاد الصلاة .

4475 - وروى إسرائيل عن جابر ، عن الشعبي ، عن زياد بن عياض أن عمر صلى بهم ، فلم يقرأ ، فأعاد الصلاة ، وقال : لا صلاة إلا بقراءة .

4476 - وروى معمر عن قتادة ، وعن أبان ، عن جابر بن زيد أن عمر أعاد تلك الصلاة بإقامة .

4477 - وقال ابن جريج عن عكرمة بن خالد : إن عمر أمر المؤذن ، فأقام ، وأعاد تلك الصلاة .

4478 - ذكر عبد الرزاق ذلك عن معمر ، عن ابن جريج .

4479 - وروى أشهب عن مالك ، قال : سئل مالك عن الذي ينسى القراءة : أيعجبك ما قال عمر ؟ قال : أنا أنكر أن يكون عمر فعله ، وأنكر الحديث ، وقال : [ ص: 144 ] يرى الناس عمر يصنع هذا في المغرب ، فلا يسبحون به ، ولا يخبرونه ؟ أرى أن يعيد الصلاة من فعل هذا ، ويعيد القوم الذين صلوا معه .

4480 - وأما اختلافهم فيما يجزئ من القراءة في الصلاة ، فقال مالك : إذا لم يقرأ في الركعتين - يعني من صلاة أربع - أعاد .

4481 - وقد قال : من لم يقرأ في نصف صلاته - أعاد .

4482 - وقال مرة أخرى : من نسي أن يقرأ في الصلاة كلها ، أو في أكثرها رأيت أن يعيد الصلاة كلها .

4483 - قال : وسنة القراءة أن يقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة ، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب .

4484 - وقال الأوزاعي : يقرأ بأم القرآن ، فإن لم يقرأ بأم القرآن ، وقرأ بغيرها أجزأه .

4485 - قال : وإن نسي أن يقرأ في ثلاث ركعات أعاد .

4486 - وقال الثوري : يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة ، [ ص: 145 ] ويسبح في الآخرتين ، وهو قول أبي حنيفة وسائر الكوفيين .

4487 - قال سفيان : وإن لم يقرأ في ثلاث ركعات أعاد الصلاة ; لأنه لا تجزئه قراءة ركعة .

4488 - قال : وكذلك إن نسي أن يقرأ في ركعة من صلاة الفجر .

4489 - وقال أبو ثور : لا تجزئ صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة ; كقول الشافعي المصري ، وعليه جماعة أصحاب الشافعي .

4490 - وقال ابن خويز منداد المالكي : قراءة أم القرآن واجبة عندنا في كل ركعة .

4491 - قال : ولم يختلف قول مالك أنه من نسيها في ركعة من صلاة ركعتين أن يعيد الصلاة ، ولا تجزئه .

4492 - واختلف قوله إذا تركها ناسيا في ركعة من صلاة ثلاثية ، أو رباعية .

فقال : يعيد الصلاة أصلا ، وهو قول ابن القاسم وروايته عنه ، وقال : يسجد سجدتي السهو ، وتجزئه .

4493 - وهي رواية ابن عبد الحكم عنه قال : قد قيل : يعيد تلك الركعة ، ويسجد للسهو بعد السلام .

4494 - قال : وقال الشافعي ، وأحمد بن حنبل : لا يجزئه حتى يقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة نحو قولنا .

4495 - قال : وقال أبو حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي : إن تركها عامدا في صلاته كلها ، وقرأ غيرها - أجزأه .

[ ص: 146 ] 4496 - قال أبو حنيفة : أقله آية ، وقال أبو يوسف ، ومحمد : ثلاث آيات ، أو آية طويلة نحو آية الدين .

4497 - وقال الشافعي : أقل ما يجزئه فاتحة الكتاب إن أحسنها ، فإن كان لا يحسنها ويحسن غيرها من القرآن قرأ بعدها سبع آيات ، لا يجزئه دون ذلك .

4498 - وإن لم يحسن شيئا من القرآن حمد الله ، وكبر بمكان القراءة ، لا يجزئه غيره .

4499 - ومن أحسن فاتحة الكتاب فإن ترك منها حرفا واحدا وخرج من الصلاة أعاد .

4500 - وقال الطبري : يقرأ بأم القرآن ، فإن لم يقرأ بها لم يجزه إلا مثلها من القرآن في عدد آياتها وحروفها .

4501 - قال أبو عمر : قوله - عليه السلام - : لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن ، فهي خداج غير تمام - حديث أبي هريرة .

4502 - وقول أبي سعيد الخدري : بين لنا نبينا - عليه السلام - أن نقرأ بفاتحة الكتاب ، وما تيسر ; فعين فاتحة الكتاب ; لوجوبها ، وخير فيما ليس بواجب ; رحمة ، ورفقا .

[ ص: 147 ] 4503 - وهذا كله يشهد لصحة قول من أوجب القراءة بها في الصلاة في كل ركعة كما قال جابر ; لأن ركوع ركعة لا ينوب عن ركوع أخرى ، ولا سجود ركعة ينوب عن سجود أخرى ; فكذلك لا تنوب قراءة ركعة عن قراءة أخرى .

4504 - وهي رواية ابن القاسم عن مالك واختياره ، وهو الصواب - إن شاء الله - .

4505 - وأما قول أبي بكر في الركعة الثالثة من المغرب : " ربنا لا تزغ قلوبنا " الآية - فإنما هو ضرب من القنوت والدعاء ; لما كان فيه من أمر أهل الردة .

4506 - والقنوت جائز في المغرب عند جماعة من أهل العلم ، وفي كل صلاة أيضا ، وأوكد ذلك في الصبح . ومنهم من لا يرى ذلك أصلا ، وسيأتي في موضعه من هذا الكتاب - إن شاء الله - .

التالي السابق


الخدمات العلمية