الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
31064 - قال مالك : وتجوز المساقاة في الزرع إذا استقل على وجه الأرض وعجز صاحبه عن سقيه ، ولا تجوز مساقاته إلا في هذه الحال بعد عجز صاحبه عن سقيه .


[ ص: 211 ] 31065 - قال مالك : لا بأس بمساقاة القثاء والبطيخ ، إذا عجز عنه صاحبه ، ولا تجوز مساقاة الموز ، والقصب بحال .

31066 - حكى ذلك كله عن مالك ابن القاسم ، وابن وهب ، وابن عبد الحكم .

31067 - وقال الشافعي : لا تجوز المساقاة إلا في النخل ، والكرم ; لأن ثمرها بائن من شجره ، ولا حائل دونه يمنع إحاطة النظر به .

قال : وثمر غيرهما متفرق بين أضعاف ورق شجره لا يحاط بالنظر إليه .

31068 - قال : وإذا ساقى على نخل فيها بياض فإن كان لا يوصل إلى عمل البياض إلا بالدخول على النخل وكان لا يوصل إلى سقيه إلا بشرك النخل في الماء ، وكان غير مثمر جاز أن يساقى عليه في النخل لا منفردا وحده .

31069 - قال : ولولا الخبر في قصة خيبر لم يجز ذلك ; لأنه كراء الأرض ببعض ما يخرج منها ، وهي المزارعة المنهي عنها .

31070 - قال : وليس للعمل في النخل أن يزرع البياض إلا بإذن ربه ، فإن فعل كان كمن زرع أرض غيره .

[ ص: 212 ] 31071 - قال أبو عمر : ما اعتل به الشافعي في جواز المساقاة في النخل والعنب دون غيرها من الأصول ، فإن ثمرتها ظاهرة ، لا حائل دونهما يمنع منها ; لإحاطة النظر إليها ليس بشيء ; لأن الكمثرى ، والتين ، وحب الملوك ، وعيون البقر ، والرمان ، والأترج ، والسفرجل ، وما كان مثل ذلك كله يحاط بالنظر إليه ، كما يحاط بالنظر إلى النخل والعنب ، والعلة له أن المساقاة لا تجوز إلا فيما يجوز فيه الخرص ، والخرص لا يجوز إلا فيما وردت به السنة ، فأخرجته عن المزابنة كما أخرجت العرايا منهما ، وذلك النخل والعنب خاصة بحديث عتاب بن أسيد في ذلك .

31072 - حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا حمزة بن محمد بن علي ، قال : حدثنا خالد بن النفر بالبصرة ، قال : حدثنا عمرو بن علي ، قال : حدثني يزيد بن زريع ، وبشر بن المفضل ، قالا : حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عتاب بن أسيد ، وأمره أن يخرص العنب ، وتؤدى زكاته كما تؤدى زكاة النخل تمرا .

[ ص: 213 ] 31073 - ورواه بشر بن منصور ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن عتاب بن أسيد فوصله في الظاهر ، وليس بمتصل عند أهل العلم ; لأن عتاب بن أسيد مات بمكة في اليوم الذي مات فيه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - أو في اليوم الذي ورد النعي بموته بمكة وسعيد بن المسيب إنما ولد لسنتين مضتا لخلافة عمر - رضي الله عنه - فالحديث مرسل على كل حال .

31074 - وأجاز المساقاة في الأصول كلها أبو يوسف ، ومحمد .

31075 - وأما الخرص في المساقاة ، وغيرها للزكاة .

[ ص: 214 ] 31076 - فأجازه مالك ، والشافعي ، والأوزاعي ، والليث ، ومحمد بن الحسن .

31077 - وذكر محمد بن الحسن في " الإملاء " أن أبا حنيفة أجاز الخرص للزكاة خاصة في غير المساقاة .

31078 - وكره الثوري الخرص ، ولم يجزه بحال من الأحوال وقال : الخرص غير مستعمل ، قال : وأما على رب الحائط أن يؤدي عشر ما يصير في يده للمساكين إذا بلغ خمسة أوسق .

31079 - وروى الثوري ، وغيره عن الشيباني ، عن الشعبي ، قال : الخرص اليوم بدعة .

31080 - وقال داود بن علي : الخرص للزكاة جائزة في النخل خاصة [ ص: 215 ] دون العنب ، ودون غيرهما من الثمار ودفع حديث عتاب بن أسيد من وجهين :

( أحدهما ) : أنه مرسل .

( والثاني ) : أنه انفرد به عبد الرحمن بن إسحاق ، عن الزهري ، وليس بالقوي .

31081 - قال أبو عمر : أكثر العلماء لا يجيزون القسمة في الثمار إلا كيلا بعد تناهيها ، ويبسها ، وقد أجازها منهم قوم ، واختلف فيها أصحابنا :

31082 - فذكر ابن حبيب أن ابن القاسم كان يقول به .

31083 - ورواه عن مالك أنه لا تجوز قسمة الثمار في رؤوس النخل ، والأشجار إذا اختلفت حاجة الشريكين إلا التمر ، والعنب فقط .

31084 - وأما الخوخ ، والرمان ، والسفرجل ، والقثاء ، والبطيخ ، وما أشبه ذلك من الفواكه التي يجوز فيها التفاضل يدا بيد ، فإن مالكا لم يجز قسمتها على التحري ، وكان يقول : المخاطرة تدخله حتى يتبين فضل أحد النصيبين على [ ص: 216 ] صاحبه .

31085 - قال : وقال مطرف ، وابن الماجشون ، وأشهب : لا بأس باقتسامه على التحري ، والتعديل ، أو على التجاوز والرضا بالتفاضل .

31086 - وهو قول أصبغ .

31087 - قال : وبه أقول ; لأن ما جاز فيه التفاضل جاز فيه التحري .

31088 - وذكر سحنون ، عن ابن القاسم ، عن مالك أنه سأله غير مرة ، عن قسمة الفواكه بالخرص ، فأبى أن يرخص في ذلك .

31089 - قال : وذلك أن بعض أصحابنا ذكر أنه سأل مالكا عن قسمة الفواكه بالخرص ، فأرخص فيه ، فسألته عن ذلك ، فأبى أن يرخص لي فيه .

31090 - وقال أشهب : سألت مالكا مرات عن تمر النخل ، والأعناب ، وغيرها من الثمار تقسم بالخرص ، فكل ذلك يقول لي : إذا طابت الثمرة من النخل وغيرها أقسمت بالخرص .

31091 - واختار هذه الرواية يحيى بن عمر قياسا على جواز العرايا ، وغيرها بالخرص في غير النخل ، والعنب ، كما تجوز في النخل ، والعنب .

[ ص: 217 ] 31092 - قال : ويجوز بيع ذلك كله بعضه ببعض بخرصه إلى الجذاذ .

31093 - قال أبو عمر : أما قوله : ويجوز بيع ذلك كله بخرصه إلى الجذاذ فلا أعلم أحدا قاله قبل يحيى بن عمر في بيع الثمار بعضها ببعض إلا في العرايا خاصة .

31094 - وأما في غير العرايا فلا ، وكيف يجوز ذلك وهو تدخله المزابنة المنهي عنها ويدخله بيع الرطب باليابس ، وبيع الطعام بالطعام نسيئة .

31095 - وإنما أجاز مالك ذلك في العرايا خاصة ; لما ورد فيها من تخصيص مقدارها من المزابنة .

31096 - قال يحيى بن عمر : أشهب لا يشترط في الثمار إلا طيبها ، ثم يقسمها بين أربابها بالخرص ، ولا يلتفت إلى اختلاف حاجاتهم .

31097 - ورواه عن مالك .

قال : وابن القاسم يقول : لا يجوز أن يقتسم بينهم بالخرص إلا أن يختلف غرض كل واحد منهم ، فيريد أحدهما أن يبيع ، ويريد الآخر أن ييبس ، ويدخر [ ص: 218 ] ويريد الآخر أن يأكل ، فحينئذ يجوز لهم قسمتها بالخرص إذا وجد من أهل المعرفة من يعرف الخرص ، فإن لم تختلف حاجتهم ، لم يجز ذلك ، وإن اتفقوا على أن يبيعوا ، أو على أن يأكلوا رطبا على أن يجدوها تمرا ، لم يقتسموها بالخرص .

31098 - وأما الشافعي ، فتحصيل مذهبه أن الشركاء في النخل المثمر إذا اقتسمت الأصول بما فيها من الثمرة جاز ; لأن الثمرة تبع الأصول بالقسمة ، والقسمة عنده مخالفة للبيوع ، قال : لأنها تجوز بالقرعة ، والبيع لو وقع بالقرعة لم يجز ، ( وأيضا ) فإن الشريك يجبر على القسمة ، ولا يجبر على البيع ، وأيضا فإن التحابي في قسمة الصدقة ، وغيرها جائز ، وذلك معروف ، وتطوع ، ولا يجوز ذلك في البيع .

31099 - ولا يجوز عند الشافعي قسمة الثمرة دون الأصول قبل طيبها بالخرص على حال ، وتجوز عنده قسمتها مع الأصول على ما وصفنا .

31100 - وقد قال في كتاب الصرف تجوز قسمتها بالخرص إذا طابت وحل بيعها ، والأول أشهر في مذهبه عند أصحابه .

التالي السابق


الخدمات العلمية