الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 263 ] 1385 - قال مالك : إنه بلغه أن سعيد بن المسيب سئل عن الشفعة ، هل فيها من سنة ؟ فقال : نعم . الشفعة في الدور والأرضين . ولا تكون إلا بين الشركاء .

1386 - مالك : أنه بلغه ، عن سليمان بن يسار ، مثل ذلك .


31285 - وهذا قول مالك ، والشافعي ، وأصحابه ، وجمهور فقهاء أهل الحجاز أنه لا شفعة إلا في المشاع مما تصلح فيه الحدود عند القسمة بين الشركاء .

31286 - قال أبو عمر : أجمع العلماء على أن الشفعة في الدور ، والأرضين ، والحوانيت ، والرباع كلها بين الشركاء في المشاع من ذلك كله ، وأنها سنة مجتمع عليها يجب التسليم لها ، ولم يجمعوا أنها لا تكون إلا بين الشركاء ; لأن منهم من أوجبها للجار الملاصق ، وهم أكثر أهل العراق ، ومنها من أوجبها إذا كانت الطريق واحدة ، ومنهم من أوجبها في كل شيء مشاع بين الشركاء من جميع الأشياء من الحيوان ، والعروض ، والأصول كلها ، وغيرها ، وهو قول شاذ ، قاله بعض أهل مكة ، وروى فيه حديثا منقطعا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأما السنة المجتمع عليها ، فعلى ما قال سعيد بن المسيب ، وعلى ما حكاه مالك أنه الأمر الذي لا اختلاف فيه عندهم - يعني في المدينة - وفيه من الأخبار المنقولة بنقل العدول الآحاد حديث ابن شهاب المذكور في هذا الباب ، وقد أسنده معمر وجوده .

[ ص: 264 ] 31287 - ذكر عبد الرزاق ، وغيره ، عن معمر أنه أخبرهم عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن جابر بن عبد الله أنه قال : " إنما جعل رسول الله النبي - صلى الله عليه وسلم - الشفعة في كل ما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود ، وصرفت الطرق ، فلا شفعة " .

31288 - وكان أحمد بن حنبل يقول : حديث معمر ، عن ابن شهاب في الشفعة ، عن أبي سلمة ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أصح ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

31289 - وقال يحيى بن معين : مرسل مالك أحب إلي .

31290 - ذكره أبو زرعة الدمشقي عنهما .

31291 - وذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سمعت أبي يقول : أهل المدينة لا يرون الشفعة إلا للشريك على حديث الزهري ، عن أبي سلمة ، عن جابر : [ ص: 265 ] إذا وقعت الحدود ، فلا شفعة ، قال : ورواه مالك ، عن الزهري ، عن سعيد ، وأبي سلمة مرسلا ، وبه أقول : لا أرى الشفعة لغير الشريك ، لا أراها للجار .

31292 - قال أبو عمر : في حديث ابن شهاب ما ينفي الشفعة بالجوار فإذا لم تجب الشفعة للشريك إذا قسم وضرب الحدود ، كان الجار الملاصق لم يقسم ولا ضرب الحدود أبعد من أن يجب ذلك له .

31293 - في حديث ابن شهاب ما ينفي الشفعة في كل ما لا يقسم ، ولا يحتمل قسمة ، ولا يصلح أن يصرف فيه الحدود ، وذلك ينفي الشفعة في الحيوان والعروض كلها ; لأنها ليست لموضع الحدود .

31294 - وأما قول أبي حنيفة ، وأصحابه ، والثوري في هذا الباب فقالوا : لا شفعة فيما سوى الدور ، والأرضين ، والشفعة في ذلك مقسوما كان أو مشاعا ، وأوجبوا الشفعة للجار بحديث أبي رافع ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الجار أحق بسقبه " .

31295 - وهو حديث يرويه جماعة من أهل الحديث ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن عمرو بن الشريد ، عن أبي رافع ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 266 ] 31296 - وحديث ابن شهاب يعارضه ، وهو أصح إسنادا .

31297 - والشفعة عند الكوفيين مرتبة ، وأولى الناس بالشفعة عندهم الذي لم يقاسم ، ثم الشريك المقاسم ، إذا بقيت له في الطريق شركة ، ثم الجار الملاصق .

31298 - وإنما تجب عندهم الشفعة في الطريق إذا لم يكن الشريك في المشاع .

31299 - وكذلك لا يجب للجار الذي لا شركة له في الطريق إلا عند عدم من ذكرنا ، أو عدم إرادته الأخذ بها .

31300 - وحجتهم في اعتبار الشركة في الطريق حديث عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي عن عطاء عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الجار أحق بشفعته ينتظر بها إذا كان غائبا إذا كانت طريقهما واحدا " .

31301 - وهذا حديث انفرد به عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي ، وهو ثقة ، وأنكره عليه شعبة وقال : لو جاء عبد الملك بحديث آخر مثل هذا لأسقطت حديثه ، وما حدثت عنه بشيء .

[ ص: 267 ] 31302 - وقال سفيان الثوري ، عبد الملك بن أبي سليمان أعدل من الميزان . .

31303 - قال أبو عمر : قد روي مثل قول الكوفيين ، عن طائفة من التابعين ، وروي مثل قول الحجازيين ، عن عمر ، وعثمان ، وعمر بن عبد العزيز ، وغيرهم ، وهو أصح ما قيل في ذلك من جهة الأثر ، ومن جهة النظر أيضا ; لأن المشتري لا يجب أن يخرج ماله ، عن يده بغير طيب نفس منه إلا بيقين يجب التسليم له .

[ ص: 268 ] 31304 - وروى ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص أن عمر كتب إلى شريح أن اقض بالشفعة للجار ، فكان يقضي بها .

31305 - وسفيان ، عن إبراهيم بن ميسرة قال : كتب إلينا عمر بن عبد العزيز : إذا حدت الحدود فلا شفعة ، قال إبراهيم : فذكرت ذلك لطاوس فقال : لا . الجار أحق .

التالي السابق


الخدمات العلمية