الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
31351 - قال مالك : في الرجل يورث الأرض نفرا من ولده ثم يولد لأحد النفر ، ثم يهلك الأب ، فيبيع أحد ولد الميت حقه في تلك الأرض فإن أخا البائع أحق بشفعته من عمومته ، شركاء أبيه . قال مالك : وهذا الأمر عندنا .


31352 - قال أبو عمر : اختلف أصحاب مالك ، وسائر الفقهاء في ميراث الشفعة وهل تورث ، أو لا تورث ؟ وفي كيفية الشفعة بين الورثة ، هل هي للكبير كالولاء ؟ وهل تدخل العصبة فيها على ذوي القروض ، أو يدخل بعض أهل السهام فيها على بعض ؟ .

[ ص: 278 ] 31353 - فأما ميراث الشفعة ، فذهب الثوري ، وسائر الكوفيين إلى أنها لا توهب ولا تورث ; لأنها لا ملكه ، ولا ماله .

31354 - وأما مالك ، والشافعي ، وسائر أهل الحجاز ، فإنهم يرون الشفعة موروثة ; لأنها حق من حقوق الميت ، يرثه عنه ورثته .

31355 - وأما الشفعة بين ذوي السهام في الميراث ، فالمشهور من مذهب مالك عند أصحابه معنى ما ذكره في " الموطأ " : أن أهل السهم الواحد أحق بالشفعة فيه من غيرهم من الشركاء في سائر الميراث ، وأنه لا يدخل العصبات على ذوي السهام في الشفعة ، وأن ذوي السهام يدخلون على العصبات فيها .

31356 - واختلف أصحابه .

31357 - فقال ابن القاسم : بما وصفت لك .

31358 - وقال أشهب : لا يدخل ذوو السهام على العصبات ، ولا يدخل العصبات على ذوي السهام ، لا يدخل هؤلاء على هؤلاء ، ولا هؤلاء على هؤلاء ولا يتشافع أهل السهم فيما بينهم خاصة .

31359 - وقال المغيرة المخزومي : يدخل العصبات على ذوي السهام ، وذوو السهام على العصبات ; لأنهم كلهم شركاء .

31360 - وقول الشافعي في ذلك كقول المغيرة .

[ ص: 279 ] 31361 - وقول الكوفيين كقول أشهب ، مثال ذلك : رجل توفي على ابنتين ، وأختين ورثن عنه أرضا ، أو دارا فباعت بعضهن حصتها منها .

31362 - فقال ابن القاسم : تدخل البنات على الأخوات ، ولا تدخل الأخوات على البنات ; لأنهن هاهنا عصبة البنات .

31363 - وقال أشهب : لا تدخل الابنة على الأخت . كما لا تدخل الأخت عليها .

31364 - وذكر المزني ، عن الشافعي في هذه المسألة قولين .

31365 - قال : ولو ورثه رجلان ، فمات أحدهما وله ابنان ، فباع أحدهما نصيبه ، وأراد أخذ الشفعة دون عمه ، فكلاهما في الشفعة سواء ; لأنهما فيه شريكان .

31366 - قال المزني : هذا أصح من قوله الآخر : إن أخاه أحق بنصيبه .

31367 - قال : ولم يختلف قوله في المعنيين لنصفين من عبد أحدهما أكثر من الآخر في أن عليهما قيمة الباقي على السواء إن كانا موسرين .

[ ص: 280 ] 31368 - قال أبو عمر : ليس هذا القياس يصح في مسألته هذه ; لأن الشركاء في سهم قد حصلوا شركاء في الشقص ، وشركاء في السهم ، فكانوا أولى ممن هو شريك في الشقص خاصة ; لأنهم كانوا أدلوا بسببين وكانوا أولى ممن هو أولى بسبب واحد ، وليس الشريكان يكون نصيب أحدهما من العبد أكثر من نصيب صاحبه في مسألة الشفعة في شيء .

31369 - والحجة عندي لما اختاره المزني من قول الشافعي : إن الشفعة أوجبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الشركاء ، ولم يخص شريكا من شريك ، فكل شريك في الشقص يستحق الشفعة بعموم السنة ، وظاهر المعنى - والله أعلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية