الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1429 1394 - مالك ، عن أبي الزناد ; أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، وهو عامل على الكوفة : أن اقض باليمين مع الشاهد .

[ ص: 56 ] 1395 - مالك ، أنه بلغه ; أن أبا سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار سئلا : هل يقضى باليمين مع الشاهد ؟ فقالا : نعم .


31798 - وأما قول مالك في هذا الباب : ومن الناس من يقول ; لا يكون اليمين مع الشاهد ، ويحتج بقول الله تعالى : فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان [ البقرة : 282 ] فلا يحلف أحد مع شاهده .

31799 - قال مالك ; فمن الحجة على من قال ذلك أن يقال له : أرأيت لو أن رجلا ادعى على رجل مالا أليس يحلف المطلوب ما ذلك الحق عليه ، فإن حلف بطل ذلك عنه ، وإن نكل عن اليمين حلف صاحب الحق إن حقه لحق وثبت حقه على صاحبه ؟

31800 - فهذا ما لا اختلاف فيه عند أحد من الناس ، ولا ببلد من البلدان . . إلى آخر الباب .

31801 - قال أبو عمر : ليس في قول الله عز وجل : فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ما يقضي على ألا يحكم إلا بهذا ، بل المعنى فيه أن يحكم بهذا ، وبكل ما يجب الحكم به من الكتاب والسنة .

31802 - وقد سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القضاء باليمين مع الشاهد ، فكان زيادة بيان على ما وصفنا .

[ ص: 57 ] 31803 - وأما قوله : وهذا ما لا خلاف فيه عند أحد من الناس ، ولا ببلد من البلدان فقد ظهر من علم مالك باختلاف من قضى قبله ما يوجب أن لا يظن أحد به أنه جهل مذهب الكوفيين في الحكم بالنكول دون رد يمين ، وإنما أراد - والله أعلم - أن من قال إذا نكل المدعى عليه عن اليمين حكم عليه بالحق للمدعي ، وكان أحرى أن يحكم عليه بالنكول ، ويمين الطالب ، لأنها زيادة على مذهبه ، كما لو قال قائل : إن العلماء قد أجمعوا على أن مدين تجزئ في كفارة اليمين كان قولا صحيحا ; لأن من قال يجزئ المد كان أحرى ، أن يجزئ عنه المدان .

31804 - هذا ما أراد ، والله أعلم .

31805 - أما اختلافهم في الحكم بالنكول :

31806 - فقال مالك ، وأصحابه : إذا نكل المدعى عليه عن اليمين حلف المدعي ، وإن لم يدع المطلوب إلى يمين ، ولا يقضى له بشيء حتى يحلف .

31807 - وهو قول الشافعي ; لأنه لا يقضي على الناكل عن اليمين بحق الطالب إلا أن يحلف الطالب .

31808 - وقال الشافعي : ولو رد المدعى عليه اليمين على الطالب ، فقلت له : احلف ، ثم بدا للمدعى عليه ، فقال : أنا أحلف - لم أجعل ذلك له ; لأني قد أبطلت أن يحلف ، وجعلت اليمين قبله .

31809 - قال أبو عمر : من رأى رد اليمين في الأموال حديث القسامة ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد فيها اليمين على اليهود إذ أبى الأنصار منها ، وليس بالأموال أعظم [ ص: 58 ] حرمة من الدماء .

31810 - وهو قول الحجازيين ، وطائفة من العراقيين ، وهو الاحتياط ; لأن من لا يوجب رد اليمين لا يبطل الحكم بها مع النكول .

31811 - وقال ابن أبي ليلى : إذا نكل المدعى عليه أنا أرد اليمين عليه ، رددتها عليه إذا كان يتهم ، فإن لم يتهم لم أردها عليه .

31812 - وروي عنه أنه يردها بغير تهمة .

31813 - وأما أبو حنيفة ، وأصحابه ، فقالوا : إذا نكل المطلوب عن اليمين حكم عليه بالحق للمدعي ، ولا ترد اليمين على المدعى .

31814 - ومن حجة من ذهب إلى هذا أن عبد الله بن عمر إذ نكل عن اليمين في عيب الغلام للذي باعه قضى عليه عثمان بالنكول ، وقضى هو على نفسه بذلك .

31815 - وهذا لا حجة فيه ، لأن ابن عمر يحتمل فعله أنه لما أوجب عليه عثمان اليمين لقد باع الغلام ، وما به أذى يعلمه كره اليمين فاسترجع العبد ، فكأنه أقاله فيه كراهية لليمين ، وليس في الحديث تصريح بالحكم بالنكول .

[ ص: 59 ] 31816 - واحتج من ذهب مذهب الكوفيين في ذلك بحديث ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس أنه جاوبه في المرأتين ادعت إحداهما على الأخرى أنها أصابت يدها بإشفى ، وأنكرت فكتب إليه ابن عباس ادعها واقرأ عليها : إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية [ آل عمران : 77 ] فإن حلفت فخل عنها ، وإن لم تحلف فضمنها .

31817 - قال أبو عمر : الاستدلال من الحديث المسند أولى ، وبالله التوفيق لا شريك له .

[ ص: 60 ] 31818 - ومن حجتهم أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل البينة على المدعي ، واليمين على المدعى عليه ، لا سبيل إلى نقل البينة إلى المدعى عليه ، ولا إلى نقل اليمين إلى المدعي .

31819 - قال أبو عمر : هذا لا يلزم ؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي سن رد اليمين إلى المدعي في القسامة .

31820 - واستعمال النصوص أولى من تأويل لم يتابع صاحبه عليه ، وهذا قياس صحيح ، وهو أصلهم جميعا في القول بالقياس .

التالي السابق


الخدمات العلمية