الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 66 ] 5 - باب القضاء فيمن هلك وله دين ، وعليه دين ، له فيه شاهد واحد

1396 - مالك ، في الرجل يهلك وله دين ، عليه شاهد واحد ، وعليه دين للناس ، لهم فيه شاهد واحد ، فيأبى ورثته أن يحلفوا على حقوقهم مع شاهدهم ، قال : فإن الغرماء يحلفون ويأخذون حقوقهم ، فإن فضل فضل لم يكن للورثة منه شيء ، وذلك أن الأيمان عرضت عليهم قبل ، فتركوها ، [ ص: 67 ] إلا أن يقولوا : لم نعلم لصاحبنا فضلا ، ويعلم أنهم إنما تركوا الأيمان من أجل ذلك ، فإني أرى أن يحلفوا ويأخذوا ما بقي بعد دينه .


31853 - قال أبو عمر : خالفه في هذه المسألة طائفتان :

إحداهما : من يقول باليمين مع الشاهد .

والأخرى : الدافعة باليمين مع الشاهد .

وهي بذلك أحرى .

31854 - وأما الشافعي فيحلف عنده الوارث مع الشاهد الذي لموروثه على دينه ، ولا يجوز عنده أن يحلف الغريم ، ولكن إذا حلف الورثة كان الغرماء أحق بالمال; لأنه لا ميراث إلا بعد أداء الدين .

31855 - ذكر المزني ، عن الشافعي ، قال : ولو أتى قوم بشاهد واحد أن لأبيهم على فلان حقا ، أو أن فلانا أوصى لهم ، فمن حلف منهم مع شاهده استحق [ ص: 68 ] موروثه ، ووصيته دون من لم يحلف ، وإن كان بعضهم غائبا ، أو صغيرا حلف الحاضر البالغ وأخذ حقه ، وإن كان معتوها ، فهو على حقه حتى يعقل ، فيحلف ، أو يموت ، فيقوم وارثه مقامه يحلف ، ويستحق ، ولا يستحق أحد بيمين لأخيه ; لأن كلا إنما يقوم مقام الميت فيما ورث عنه ، كما لو كان لرجلين على رجل ألفا درهم ، وأقاما عليه شاهدا فحلف أحدهما لم يستحق إلا الألف وهي التي يملك ، ولا يحلف أحد على ملك غيره ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما قضى باليمين لصاحب الحق .

31856 - قال الشافعي : وإن كان الورثة بالغين ، وأبوا أن يحلفوا ، فإن صاحبنا قال : يحلف غرماء الميت ويأخذون حقوقهم ، ولا يأخذ من أبى اليمين من الورثة شيئا إلا أن يقولوا فذكر كلام مالك إلى آخره في الموطأ .

31857 - قال الشافعي : وهذا مذهب ، وأحسبه ذهب إلى أن الغريم أحق بالمال من الورثة ، فيحلف ، ويأخذ حقه .

31858 - قال الشافعي : وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى لمن أقام شاهدا الحق له على آخر بيمينه ، وأخذ حقه ، فإنما أعطى باليمين من شهد له بأصل الحق ، وإنما جعلت للوارث اليمين; لأن الله تعالى نقل ملك الميت إلى الوارث ، فجعل يقوم فيه [ ص: 69 ] مقامه بقدر ما فرض له .

31859 - قال : وليس الموصى له ، ولا الغريم من الوارث بسبيل ، ألا ترى أن الغريم لا يلزمه من نفقة العبيد الذين تركهم المتوفى شيء ، وأن الغريم لو حلف ، وطرأ للميت مال كان للوارث أن يقضي دين الغريم من غير المال الذي حلف عليه .

31860 - قال أبو عمر : أكثر الشافعي في هذا الباب ، فنقلت منه ما بالناظر في هذا الكتاب حاجة إليه .

31861 - وهو قول أحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور .

31862 - قال مالك : وإذا هلك رجل ، وعليه دين يغترف ماله ، فأبى الوارث أن يحلف مع الشاهد لم يكن للغريم أن يحلف مع شاهد الميت ، ويستحق ، وإن حلف الوارث مع الشاهد حكم بالدين ، ودفع إلى الغريم .

التالي السابق


الخدمات العلمية