الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1432 [ ص: 70 ] 6 - باب القضاء في الدعوى

1397 - مالك ، عن جميل بن عبد الرحمن المؤذن ; أنه كان يحضر عمر بن عبد العزيز وهو يقضي بين الناس ، فإذا جاءه الرجل يدعي على الرجل حقا ، نظر ، فإن كانت بينهما مخالطة أو ملابسة ، أحلف الذي ادعي عليه ، وإن لم يكن شيء من ذلك ، لم يحلفه .

قال مالك : وعلى ذلك ، الأمر عندنا ، أنه من ادعى على رجل بدعوى ، نظر ، فإن كانت بينهما مخالطة أو ملابسة أحلف المدعى عليه ، فإن حلف [ ص: 71 ] بطل ذلك الحق عنه ، وإن أبى أن يحلف ، ورد اليمين على المدعي ، فحلف طالب الحق ، أخذ حقه .


[ ص: 72 ] 31863 - قال أبو عمر : قد مضى القول في رد اليمين ، واختلف الفقهاء في اليمين على المدعى عليه ، هل تجب بمجرد الدعوى دون خلطة أو ملابسة تكون بين المتداعيين أم لا ؟

31864 - فالذي ذهب إليه مالك وأصحابه ما ذكره عمر بن عبد العزيز في الموطأ أن اليمين لا تجب إلا بالخلطة .

31865 - وهو قول جماعة من علماء المدينة .

31866 - ذكر إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثني سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن إياس بن معاوية ، عن القاسم بن محمد ، قال : إذا ادعى الرجل الفاجر على الرجل الصالح شيئا ، يعلم الناس أنه فيه كاذب ، ولا يعلم أنه كان بينهما أخذ ولا إعطاء لم يستحلف .

31867 - قال : وحدثنا ابن أبي أويس ، عن أبي الزناد قال : كان عمر بن عبد العزيز يقول : إنا - والله - لا نعطي اليمين كل من طلبها ، ولا نوجبها إلا بشبيه بما يوجب به المال .

31868 - قال أبو الزناد : يريد بذلك المخالطة ، واللطخ ، والشبه .

31869 - قال : وذلك الأمر عندنا .

31870 - قال أبو عمر : المعمول به عندنا أن من عرف بمعاملة الناس مثل [ ص: 73 ] التجار بعضهم لبعض ، ومن نصب نفسه للشراء والبيع من غريب ، وغيره ، وعرف به ، فاليمين عليه بمن ادعى معاملته ، ومداينته فيما يمكن ، وما كان بخلاف هذه الحال مثل المرأة المشهورة المحتجبة ، والرجل المستور المنقبض عن مداخلة المدعى عليه وملابسته ، فلا تجب اليمين عليه إلا بخلطة ، وفي الأصول أن من جاء بما لا يشبه ، ولا يمكن في الأغلب لم تقبل دعواه .

31871 - أخبرنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثني مضر بن محمد قال : حدثني قبيصة بن عقبة ، قال : حدثني سفيان الثوري ، عن سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : لما أوتي يعقوب بقميص يوسف - عليهما السلام - ولم ير فيه خرقا ، قال : كذبتم ، لو أكله الذئب لخرق قميصه .

31872 - وحدثني عبد الوارث ، قال : حدثني قاسم ، قال : حدثني مضر بن محمد ، قال : حدثني الفضل بن دكين ، قال : أخبرنا زكريا بن أبي زائدة ، عن عامر الشعبي ، قال : كان في قميص يوسف - عليه السلام - ثلاث آيات : حين قد قميصه من دبر ، وحين ألقي على وجه أبيه ، فارتد بصيرا ، وحين جاءوا بالدم عليه ، وليس فيه شق علم أنه كذب ; لأنه لو أكله الذئب لخرق قميصه .

31873 - ومما يشهد بهذا قوله تعالى ; ( إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين ) [ يوسف : 27 ] .

[ ص: 74 ] 31874 - وهذا أصل فيما ذكرنا في كل ما يشبهه والله أعلم ، وبالله التوفيق .

31875 - وقال ابن القاسم : لا يستحلف المدعى عليه القصاص ، ولا الضرب بالسوط وما أشبهه ، إلا أن يأتي بشاهد واحد عدل ، فيستحلف له كالطلاق ، والعتق إذا جاءت المرأة ، أو العبد بشاهد واحد عدل استحلف الزوج ، أو السيد ما طلق ، ولا أعتق .

31876 - قال أبو عمر : قال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور : كل من ادعى حقا على غيره ، ولم يكن له بينة استحلف المدعى عليه في كل ما يستحق من الحقوق كلها .

31877 - وحجتهم حديث ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لو أعطي قوم بدعواهم لادعى أقوام دم أقوام ، وأموالهم ، ولكن البينة على المدعي ، واليمين على المدعى عليه .

31878 - ومن رواة هذا الحديث من لا يذكر فيه البينة على المدعي ، وإنما يقول : اليمين على المدعى عليه .

[ ص: 75 ] 31879 - حدثني أحمد بن قاسم ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني الحارث بن أبي أسامة ، ومحمد بن إسماعيل الصائغ ، قالا : حدثني يحيى بن أبي بكير ، قال : حدثني نافع بن عمر - يعني الجمحي - عن ابن أبي مليكة ، قال : كتبت إلى ابن عباس في امرأتين كانتا تجوزان في البينة وأخرجت إحداهما يدها تشخب دما فقالت : أصابتني هذه ، وأنكرت الأخرى ، فكتب إلي ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى أن اليمين على المدعى عليه ، وقال : لو أن الناس أعطوا بدعواهم ، لادعى قوم دم قوم وأموالهم وذكر تمام الخبر .

31880 - وحدثني سعيد بن نصر ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني ابن وضاح ، قال : حدثني أبو بكر .

31880 م - وحدثني عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم بن سفيان ، قال : حدثني بكير بن حماد ، قال : حدثني مسدد ، قال : حدثني أبو الأحوص ، عن سماك عن علقمة بن وائل بن حجر الحضرمي ، عن أبيه ، قال : جاء رجل من حضرموت ، ورجل من كندة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال الحضرمي : يا رسول الله ! إن هذا غلبني على أرض لي كانت لأبي ، فقال الكندي : هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للحضرمي : ألك بينة ؟ فقال : لا قال : فلك يمينه . . . وذكر تمام الحديث .

[ ص: 76 ] 31881 - وليس في شيء من الآثار المسندة ما يدل على اعتبار الخلطة .

31882 - وقال إسماعيل : إنما معنى قوله عليه السلام : اليمين أنه على المدعى عليه ، والبينة على المدعي - أنه لا يقبل قول المدعي فيما يدعيه مع يمينه ، وأن المدعى عليه يقبل قوله مع يمينه إن لم يقم عليه بينة ; لأنه أراد بذلك العموم في كل من ادعي عليه دعوى أن عليه اليمين ، فجاء - رحمه الله - بعين المحال ، وإلى الله أرغب في السلامة على كل حال .

31883 - وأما قوله في حديث وائل بن حجر : ألك بينة ؟ ففيه أن الحاكم يبدأ بالمدعي ، فيسأله : هل لك بما تدعيه بينة ؟ ولا يسأل المدعى عليه حتى يسمع ما يقول المدعي ، وهذا ما لا يختلفون فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية