الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1433 [ ص: 77 ] 7 - باب القضاء في شهادة الصبيان

1398 - مالك ، عن هشام بن عروة ; أن عبد الله بن الزبير كان يقضي بشهادة الصبيان فيما بينهم من الجراح .

قال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا ، أن شهادة الصبيان تجوز فيما بينهم من الجراح ، ولا تجوز على غيرهم ، وإنما تجوز شهادتهم فيما بينهم من الجراح وحدها ، لا تجوز في غير ذلك ، إذا كان ذلك قبل أن يتفرقوا ، أو يخببوا أو يعلموا ، فإن افترقوا فلا شهادة لهم ، إلا أن يكونوا قد أشهدوا العدول على شهادتهم . قبل أن يفترقوا .


31884 - وذكر أحمد بن المعدل ، عن عبد الملك ، قال : لم يزل من أمر الناس قديما ، وهو مجتمع عليه من رأي أصحابنا في شهادة الصبيان أن يؤخذ بها ، ما لم يتفرقوا ، أو يخببوا .

31885 - قال عبد الملك : ولا تجوز منهم إلا شهادة اثنين ، فصاعدا من الذكور ، أو غلام وجاريتين .

31886 - قال : ولا تكون اليمين مع شهادة الصبيان ، وإنما اليمين مع الشاهد الواحد ، ولا يجوز من الصبيان واحد .

[ ص: 78 ] 31887 - وهذا كله قول ابن القاسم أيضا .

31888 - قال أبو عمر : قد ذكرنا اختلاف أصحاب مالك في شهادة الجواري في الجراح ، وشهادة الصبيان العبيد في ذلك في كتاب اختلافهم ، واختلاف قول مالك .

31889 - ولم يختلفوا أن شهادة الصبيان الأحرار جائزة في الجراح إذا لم يحضرهم كبير ، فإن حضر معهم كبير لم تجز شهادتهم عندهم ; لأنه لا تجوز عندهمشهادة الصبيان حيث يكون الرجال .

31890 - وقال ابن حبيب : لا نعلم خلافا أن شهادة الصبيان لا تجوز حيث يكون الرجال الكبار العدول .

31891 - وقاله سحنون ، وقد روي أنه أجازها .

31892 - وقال ابن القاسم : تجوز شهادة الصبيان في القتل والجراح إذا كانوا ذكورا قبل أن يتفرقوا .

31893 - قال سحنون : وقال غير واحد من كبار أصحاب مالك : لا تجوز شهادتهم في القتل ، وإنما تجوز في الجراح .

31894 - قال أبو عمر : اختلف عن ابن الزبير في إجازة شهادة الصبيان ، والأصح عنه أنه كان يجيزها إذا جيء بهم من حال حلول المصيبة ونزول النازلة .

31895 - وأما ابن عباس ، فلم يختلف عنه أنه لم يجزها ، وكان لا يراها شيئا .

[ ص: 79 ] 31896 - وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه كان يجيز شهادة الصبيان بعضهم على بعض إذا أتوا في الحال قبل أن يعلمهم أهلوهم ، ولا يجيزها على الرجال .

31897 - والطرق عنه بذلك ضعيفة .

31898 - وهو قول سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وأبي جعفر ; محمد بن علي بن حسين ، وعامر الشعبي ، وابن أبي ليلى ، وابن شهاب الزهري ، وإبراهيم النخعي ; على اختلاف عنه ، إلا أنه ليست الروايات عنهم لم تذكر جراحا ولا غيرها إلا أجازتها فيما بينهم مطلقة .

31899 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، وابن شبرمة ، والثوري : لا تجوز شهادة الصبيان في شيء من الأشياء لا في جراح ، ولا غيرها بحال ، وإن لم يتفرقوا .

قالوا : وإنما أمر الله - عز وجل - بشهادة من يرضى ، وكيف تقبل شهادة من إذا فارق مكانه لم يؤمن عليه أن يعلم ويخبب ؟ ومن لا يرضى الله عليه في الشهادة .

فإن قيل : إن ابن الزبير أجازها ، قيل له : ابن عباس ردها ، والقرآن يدل على إبطالها .

31900 - قال أبو عمر : من حجة من لم يجزها ولم يرها شيئا - ظاهر قول [ ص: 80 ] الله - عز وجل : وأشهدوا ذوي عدل منكم [ الطلاق : 2 ] ، وقوله تعالى : واستشهدوا شهيدين من رجالكم [ البقرة : 282 ] ثم قال تعالى : ممن ترضون من الشهداء [ البقرة : 282 ] والصبي ليس بعدل ، ولا رضي .

وقال عز وجل في الشهادة : ومن يكتمها فإنه آثم قلبه [ البقرة : 283 ] ، وليس الصبي كذلك ؟ لأنه غير مكلف ، فدل على أنه ليس من أهل الشهادة بنص القرآن ، والله المستعان .

31900 م - ذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني عبد الله بن أبي مليكة أنه أرسل إلى ابن عباس وهو قاض لابن الزبير يسأله عن شهادة الصبيان ، فقال : لا أرى أن تجوز شهادتهم إنما أمر الله تعالى ممن يرضى ، والصبي ليس برضي .

31901 - قال : وأخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة أنه كان قاضيا لابن الزبير ، فأرسل إلى ابن عباس يسأله عن شهادة الصبيان ؟ فلم يجزها ، ولم يرها شيئا .

31902 - قال معمر ; وسمعت من يقول : تكتب شهادتهم ، ثم تقر حتى يكبر الصبي ، ثم يوقف عليها ، فإن حفظها جازت .

31903 - قال : وأخبرنا ابن جريج ، قال : زعم إسماعيل بن محمد ، [ ص: 81 ] ويعقوب بن عتبة ، وصالح أن ليس لمن لم يبلغ الحلم شهادة .

31904 - وهو قول شريح القاضي ، والشعبي ، وابن أبي ليلى ، على اختلاف عنهم في ذلك .

31905 - وقول القاسم ، وسالم ، ومكحول ، وعطاء ، والحسن .

31906 - وبه قال أحمد ، وإسحاق ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية