الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
32051 - قال مالك : الأمر عندنا في الرجلين يختلفان في الرهن . يرهنه أحدهما صاحبه . فيقول الراهن : أرهنتكه بعشرة دنانير . ويقول المرتهن : ارتهنته منك بعشرين دينارا والرهن ظاهر بيد المرتهن . قال : يحلف المرتهن حتى يحيط بقيمة الرهن .

فإن كان ذلك . لا زيادة فيه ولا نقصان عما حلف أن له فيه ، أخذه المرتهن بحقه . وكان أولى بالتبدئة باليمين . لقبضه الرهن وحيازته إياه . إلا [ ص: 117 ] أن يشاء رب الرهن أن يعطيه حقه الذي حلف عليه ، ويأخذ رهنه .

32052 - قال : وإن كان الرهن أقل من العشرين التي سمى . أحلف المرتهن على العشرين التي سمى . ثم يقال للراهن إما أن تعطيه الذي حلف عليه ، وتأخذ رهنك . وإما أن تحلف على الذي قلت إنك رهنته به ، ويبطل عنك ما زاد المرتهن على قيمة الرهن . فإن حلف الراهن بطل ذلك عنه ، وإن لم يحلف لزمه غرم ما حلف عليه المرتهن .


32053 - قال أبو عمر : هذا بين كله على ما تقدم من أصل قوله ، لا خلاف عند أصحابه ، ومنتحلي مذهبه فيه ، إلا في قوله : أحلف المرتهن على العشرين التي سمى ، ثم قيل للراهن : إما أن تحلف على ما قلت ، ولا يلزمك أكثر من قيمة رهنك ، أو مبلغ أقررت به من الدين وإما أن يغرم ما حلف عليه المرتهن ، وهذا موضع اختلف فيه بعضهم .

32054 - فذهب بعضهم إلى قول مالك هذا .

32055 - وبعضهم قال : قول الراهن مع يمينه فيما زاد على قيمة الرهن مما ادعاه المرتهن إن لم يقم المرتهن بينة بما ادعاه ، ولا يمين عليه إلا أن يردها عليه الراهن .

32056 - وأما الشافعي ، فقد تقدم وصفنا لمذهبه في أن الرهن أمانة عنده ، وما ادعاه المرتهن إن لم يقم المرتهن من الدين عليه في البينة ، فإن لم تكن له بينة حلف الراهن على ما أقر به ، وإن لم يكن عليه غير ذلك ، وله أيضا عنده رد اليمين إن شاء على ما قدمنا من أصله في ذلك أيضا .

[ ص: 118 ] 32057 - وأما الكوفيون ، فحكى الطحاوي عنهم ، قال : القول قول الراهن في مقدار الدين الذي وقع به الرهن إذا اختلف هو والمرتهن فيه مع يمينه بالله عز وجل على ذلك أن طلب المرتهن يمينه عليه ، والقول قول المرتهن في قيمة الرهن إذا ضاع في يده ، واختلف هو والراهن في قيمته مع يمينه بالله عز وجل على ذلك أن طلب الراهن يمينه عليه ، فإن حلف برئ ، وإن نكل عن اليمين لزمه ما ادعاه عليه الراهن فيه .

32058 - قال أبو عمر : اتفق الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، والثوري أن القول قول الراهن إذا خالفه المرتهن في مبلغ ما رهن به الرهن ، ولم يراعوا مبلغ قيمة الرهن; لأن الرهن قد يساوي ما رهن به ، وقد لا يساوي ، والمرتهن يدعي فيه ما لا يقر له به الراهن ، فالقول قول الراهن ; لأنه مدعى عليه والبينة في ذلك على المرتهن ، فإن لم تكن له بينة حلف الراهن ، وأخذ رهنه ، وادعى ما أقر به .

32059 - وهذا القول قول إبراهيم النخعي ، وعطاء بن أبي رباح ، وإياس بن معاوية وطائفة .

32060 - وحجة من قال بهذا القول إجماعهم على أن من أقر بشيء ، وليس عليه فيه بينة ، فالقول قوله ، وإجماعهم أيضا على أن المتبايعين إذا اختلفا في ثمن السلعة أنه لا يكون القول قول من ادعى من الثمن ما يكون قيمة السلعة .

32061 - والحجة لمالك ، ومن قال بقوله ما قاله إسماعيل بن إسحاق في قوله [ ص: 119 ] عز وجل : ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة [ البقرة : 283 ] ، قال : فجعل الرهن بدلا من الشهادة ، لأن المرتهن أخذ بحقه وثيقة له ، فكأنه شاهد له ; لأنه يبني على مبلغ الحق ، فقام مقام الشاهد إلى أن يبلغ قيمته ، وما جاوز قيمته ، فلا وثيقة له فيه ، وكان القول في ذلك قول الراهن .

32062 - وهذا كله قول طاوس ، والحسن ، وقتادة ، ويحيى بن سعيد ، وأكثر أهل المدينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية