الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 121 ] 15 - باب القضاء في كراء الدابة والتعدي بها

1407 - قال مالك : الأمر عندنا في الرجل يستكري الدابة إلى المكان المسمى . ثم يتعدى ذلك المكان ويتقدم : إن رب الدابة يخير . فإن أحب أن يأخذ كراء دابته إلى المكان الذي تعدى بها إليه ، أعطي ذلك ، ويقبض دابته . وله الكراء الأول . وإن أحب رب الدابة ، فله قيمة دابته من المكان الذي تعدى منه المستكري ، وله الكراء الأول . إن كان استكرى الدابة البدأة . فإن كان استكراها ذاهبا وراجعا ، ثم تعدى حين بلغ البلد الذي استكرى إليه ، فإنما لرب الدابة نصف الكراء الأول . وذلك أن الكراء نصفه في البداءة ونصفه في الرجعة . فتعدى المتعدي بالدابة . ولم يجب عليه إلا نصف الكراء الأول . ولو أن الدابة هلكت حين بلغ بها البلد الذي استكرى إليه ، لم يكن على المستكري ضمان . ولم يكن للمكري إلا نصف الكراء .

قال : وعلى ذلك ، أمر أهل التعدي والخلاف ، لما أخذوا الدابة عليه .


32065 - ثم ذكر مسألة في المقارض يخالف ، فيشتري غير ما أمره به صاحب المال ليكون له الربح كله ، ويضمن رأس المال .

32066 - والمبضع معه يخالف رب البضاعة فيما أمره به ويتعدى ليضمن البضاعة ، ويأخذ ربحها ، فإن رب المال في الوجهين جميعا يخير بين أن يضمنه ، وبين أن يجيز فعله ، ويكون على شرطه .

[ ص: 122 ] 32067 - وقد تقدم ذكر ذلك كله في كتاب القراض .

32068 - وأما تعدي المكتري بالدابة ، فإن أكثر أهل العلم خالفوا مالكا في ذلك ، ولم يجعلوه من باب العامل في القراض ، ولا المبضع معه يخالفان ما أمرا به في ذلك .

32069 - وأما الشافعي ، فقال عنه المزني : ولو اكترى دابة من مكة إلى مر فتعدى بها إلى عسفان ، فعليه كراؤها إلى مر ، وكراء مثلها إلى عسفان ، وعليه الضمان يعني - إن عطبت .

32070 - وقال أحمد بن حنبل : من اكترى دابة إلى موضع ، فجاوز ، فعليه الأجرة المذكورة ، وأجرة المثل لما جاوز ، وإن تلفت فعليه أيضا قيمتها .

32071 - ذكره المزني في مختصره على مذهب أحمد ، وهذا كقول الشافعي سواء .

32072 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد فيما ذكر الطحاوي عنهم : من اكترى دابة إلى مكان ، فجاوز بها إلى مكان آخر كان ضامنا لها ساعة جاوز بها ، وكان عليه الأجرة ، ولا شيء عليه في مجاوزته بها بعد سلامتها ، وإن عطبت في مجاوزاته بها كان عليه ضمان قيمتها ساعة تجاوز بها .

32073 - قال أبو عمر : مذهبهم أنه إذا جاوز بها كانت في ضمانه إن [ ص: 123 ] سلمت ، أو عطبت ، فليس عليه أجرة لما هو ضامن له .

32074 - وهذا خلاف ظاهر القرآن ، وظاهر السنة .

32075 - قال الله عز وجل : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [ النساء : 29 ] .

32076 - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه .

32077 - والمتعدي بالدابة إذا تجاوز بها الموضع الذي اكتراها إليه ، فقد وجب لصاحبها عليه أجرة مثلها في ذلك ، فإن لم يردها إليه كان قد أكل ماله باطلا بغير طيب نفسه ، ومن لم يوجب على المكتري كراء ما تعدى فيه بها ، فقد أعطاه مال غيره بغير طيب نفس منه ، وليس اعتلاله برأيه أنها صارت في ضمانه بشيء ; لأن الله تعالى لم يجعل الدابة إذا سلمت في ضمان المتعدي بها ، ولا رسوله ، ولا اتفق الجميع عليه ، بل الجمهور يقولون : إذا سلمت فلا ضمان على المكتري فيها وإنما عليه كراء [ ص: 124 ] المسافة التي تعدى عليها .

32078 - وقد تناقض أبو حنيفة ، فقال فيمن تعدى في بضاعة أبضعت معه فتجر فيها : إنه ليس له الربح ، وعليه أن يتصدق به ، وكذلك الغاصب .

32079 - وسنذكر هذه المسألة في موضعها من هذا الكتاب إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية