الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
183 [ ص: 173 ] ( 7 ) باب القراءة في الصبح

158 - مالك عن هشام بن عروة ، عن أبيه أن أبا بكر الصديق صلى الصبح فقرأ فيها سورة البقرة في الركعتين كلتيهما .


[ ص: 174 ] 4608 - قال أبو عمر : أدخل مالك هذا الحديث - والله أعلم - ; ليدل به على أن قراءة الصبح طويلة جدا .

4609 - وعلى هذا يصح استعمال الآثار وترتيب الأحاديث في الإسفار بصلاة الصبح ، والتغليس بها ; لأنه معلوم أن أبا بكر لم يدخل فيها إلا مغلسا بعد أن طلع الفجر ، ثم طول حتى أسفر .

4610 - فمن فعل هذا كان مستعملا للأحاديث في التغليس والإسفار ، وهو وجه لا يبعد في استعمال الأحاديث .

4611 - على أن حديث عائشة : " كان النساء ينصرفن من صلاة الصبح مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متلفعات بمروطهن ، ما يعرفن من الغلس " - يدل على غير حديث الإسفار ، إلا أنه ممكن أن يكون فعله ذلك أحيانا ، فيصح التغليس ، ويصح الإسفار .

4612 - وقد روى الزهري عن أنس أن أبا بكر - رضي الله عنه - صلى الصبح ، فقرأ فيها في سورة البقرة في الركعتين .

4613 - وقد أعلمتك فيما تقدم أن القراءة في الصلوات كلها ليس فيها شيء محدود لا يتجاوز في التطويل والتقصير ; لأنه قد ورد فيها كلها التطويل والتقصير .

[ ص: 175 ] 4614 - والآثار بذلك مشهورة جدا ، قد ذكرت منها في التمهيد ما فيه كفاية ، وهي في المصنفات كثيرة متكررة .

4615 - ويقضي عليها ويفسرها قوله - عليه السلام : " من أم بالناس فليخفف " ، إلا أن يعرف الإمام مذهب من خلفه .

4616 - وقد روي عن مالك أنه كره أن يقسم المصلي سورة بين ركعتين في الفريضة ; وذلك أنه لم يبلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكثر الصحابة كانوا على قراءة فاتحة الكتاب وسورة في كل ركعة ، وربما قرن بعضهم السورتين مع فاتحة الكتاب في ركعة .

[ ص: 176 ] 4617 - روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر .

4618 - وهذا كله من فعلهم يدل على التخيير والإباحة ، فيفعل المصلي من ذلك ما شاء .

4619 - إلا أن الاختيار ما اختاره مالك من قراءة سورة مع أم الكتاب في الركعتين الأوليين من كل صلاة ، وكذلك في صلاة الصبح ، وهو الأكثر .

4620 - وما بالاقتداء بالصديق - رضي الله عنه - بأس ; فإنه من الذين هدى الله ، فأين المهرب عنه ؟ .

4621 - وحديث مالك هذا قد وصله الثقات الأثبات .

4622 - رواه معمر ، وسفيان بن عيينة ، ويونس بن يزيد عن الزهري .

4623 - وقد روى الزهري عن أنس أن أبا بكر صلى الصبح ، فقرأ فيها بالبقرة في الركعتين ، فقيل له حين سلم : كادت الشمس تطلع ، فقال : لو طلعت لم تجدنا غافلين .

4624 - رواه ابن عيينة ويونس عن الزهري .

4625 - وأما قراءة عمر بن الخطاب في صلاة الصبح بسورة يوسف وسورة الحج - فعلى ما قلنا من استحباب العلماء لطول القراءة في صلاة الصبح ، وذلك في الشتاء أكثر منه في الصيف ، وكذلك قراءة عثمان بسورة يوسف .

4626 - وأما ترداد عثمان لها ، وتكريره القراءة بها في أكثر أيامه - فإنه ربما [ ص: 177 ] خف على لسان الإنسان الحافظ للقرآن قراءة بعض سور القرآن دون بعض ، فمال إلى ما خف عليه ، فكان ذلك أكثر قراءته . وربما أعجبه من سور القرآن ما فيه قصص الأنبياء ; فقرأها على الاعتبار بها ، والتذكار لها .

4627 - وما أشك أن أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليا - رضي الله عنهم - كانوا يعرفون من حرص من خلفهم على التطويل ما حملهم عليه أحيانا .

4628 - وأما اليوم فواجب الاحتمال على التخفيف ; لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أم الناس فليخفف ; فإن فيهم الضعيف ، والسقيم ، والكبير ، وذا الحاجة . ومن صلى لنفسه فليطول ما شاء " . 4629 - وقوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل : " أفتان أنت يا معاذ ؟ اقرأ ب " سبح اسم ربك الأعلى " ، " والشمس وضحاها " ونحو ذلك في العشاء الآخرة .

[ ص: 178 ] 4630 - وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال لبعض من طول من الأئمة : لا تبغضوا الله إلى عباده .

4631 - وإذا كان الناس يؤمرون بالتخفيف في الزمن الأول فما ظنك بهم اليوم ؟ .

4632 - ألا ترى إلى ما أجمعوا عليه من تخفيف القراءة في السفر ؟ .

4633 - وقد روي عن النبي - عليه السلام - : " إني لأسمع بكاء الصبي ، فأتجوز في صلاتي ; مخافة أن أشق على أمه " .

4634 - وهذه الآثار كلها في التمهيد بأسانيدها . والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية