الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1450 1417 - مالك عن يزيد عن عبد الله بن الهادي ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الله بن أبي أمية ; أن امرأة هلك عنها زوجها ، فاعتدت أربعة أشهر وعشرا ، ثم تزوجت حين حلت . فمكثت مع زوجها أربعة أشهر ونصف شهر ، ثم ولدت ولدا تاما ، فجاء زوجها إلى عمر بن الخطاب ، فذكر ذلك له ، فدعا عمر نسوة من نساء الجاهلية ، قدماء ، فسألهن عن ذلك فقالت امرأة منهن : أنا أخبرك عن هذه المرأة ، هلك عنها زوجها حين حملت منه ، فأهريقت عليه الدماء ، [ ص: 178 ] فحش ولدها في بطنها ، فلما أصابها زوجها الذي نكحها ، وأصاب الولد الماء ، تحرك الولد في بطنها وكبر ، فصدقها عمر بن الخطاب ، وفرق بينهما ، وقال عمر : أما إنه لم يبلغني عنكما إلا خير ، وألحق الولد بالأول .


32310 - قال أبو عمر : اختلف العلماء في الأربعة الأشهر والعشر ليال التي جعلها الله تعالى ميقاتا لعدة المتوفى عنها زوجها ، هل تحتاج فيها إلى حيضة أم لا ؟

32311 - فقال بعضهم : لا تبرأ إذا كانت ممن توطأ إلا بحيضة تأتي بها في الأربعة الأشهر والعشر ، وإلا فهي مسترابة .

32312 - وقال آخرون : ليس عليها أكثر من أربعة أشهر وعشر ، إلا أن تستريب نفسها ريبة بينة ; لأن هذه المدة لا بد فيها من الحيض في الأغلب من أمر النساء ، إلا أن تكون المرأة لا تحيض ، أو ممن عرفت من نفسها ، أو عرف منها أن حيضتها لا تأتيها إلا في أكثر من هذه المدة .

32313 - وقد ذكرنا حكم المسترابة وما للعلماء فيها من المذاهب في كتاب الطلاق ، والحمد لله كثيرا .

32314 - وقد أجمع علماء المسلمين بأن الولد لا يلحق إلا في تمام ستة أشهر من يوم النكاح ، فما زاد إلى أقصى مدة الحمل على اختلافهم فيها .

32315 - فمالك يجعله خمس سنين .

32316 - ومن أصحابه من يجعله إلى سبع سنين .

[ ص: 179 ] 32317 - والشافعي مدته عنده الغاية فيها أربعة سنين .

32318 - والكوفيون يقولون : سنتان لا غير .

32319 - ومحمد بن عبد الحكم يقول : سنة ، لا أكثر .

32320 - وداود يقول : تسعة أشهر ، لا يكون عنده حمل أكثر منها .

32321 - وهذه مسألة لا أصل لها إلا الاجتهاد ، والرد إلى ما عرف من أمر النساء ، وبالله التوفيق .

32322 - وإذا أتت المرأة بولد لأقل من ستة أشهر كاملة ، لم يلحق بإجماع من العلماء .

32323 - واختلفوا في المرأة يطلقها زوجها في حين العقد عليها بحضرة الحاكم ، أو الشهود ، فتأتي بولد لستة أشهر ، فصاعدا من ذلك الوقت عقيب العقد :

32324 - فقال مالك ، والشافعي : لا يلحق به ; لأنها ليست بفراش له إذ لم يمكنه الوطء ، ولا تكون المرأة فراشا بالعقد المجرد حتى ينضم إليه إمكان الوطء في العصمة وهو كالصغير أو الصغيرة الذي لا يمكن للواحد منهما الوطء .

32325 - وقال أبو حنيفة : هي فراش له ، ويلحقه ولدها إن جاءت به لستة أشهر من يوم العقد ، كأنه جعل الفراش ، ولحوق الولد به تعبدا ، كما رأى رجل رجلا يطأ امرأته ، أو سريته ، أو قامت بذلك البينة ، وجاءت بولد لحقه دون الزاني بها إذا كان يطؤها قبل أو بعد .

[ ص: 180 ] 32326 - قال أبو عمر : ذكر الطحاوي هذا القول عن أبي حنيفة ، واحتج له بقوله : كما لو رأى رجل رجلا يطأ امرأته ، وجاءت بولد ألحق به دون الزاني إذا كان يطؤها قبل أو بعد .

32327 - وإنما احتج له بذلك ; لأنه إجماع عنده ، لم يعلم فيه خلافا ; لأنه إذا اشترك الزنا ، والفراش في وقت واحد ، فالولد للفراش عند جمهور العلماء من السلف والخلف ، إلا أن ابن القاسم قال : إذا قال : رأيتها اليوم تزني ، ووطئتها قبل الرؤية في اليوم أو قبله ، ولم أستبرئ ، ولم أر بعد الرؤية لاعن ، ولم يلحق به ولده إن أتت به لستة أشهر أو أكثر ، وإنما يلحق به الولد إذا أتت به لأقل من ستة أشهر .

32328 - وهذا القول قد غلب فيه الزنا على الفراش ، ولم يقله أحد علمته قبله ، وهو قول لا أصل له ، وقد ذكر أن مالكا قاله مرة ، ثم رجع عنه .

32329 - وقد روي عن المغيرة نحو قول ابن القاسم .

32330 - وقال أشهب ، وابن عبد الحكم ، وابن الماجشون : الولد لاحق بالزوج على كل حال إذا أقر بوطئها ، ولم يستبرئ ، ورآها تزني ، وهذا هو الصحيح ; لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الولد للفراش ، وللعاهر الحجر فنفى الولد عنه الاشتراك والإمكان عن العاهر وألزمه بالفراش على كل حال إذا أمكن أن يكون للفراش .

32331 - وقد أجمعوا أنه لو رآها تزني ، ثم وطئها في يوم الزنا ، أو [ ص: 181 ] بعده أن الولد لاحق به ، لا ينفيه بلعان أبدا ، وحسبك بهذا ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية