الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1465 [ ص: 236 ] 27 - باب القضاء في قسم الأموال

1432 - مالك ، عن ثور بن زيد الديلي ; أنه قال : بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية ، وأيما دار أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قسم الإسلام .


32566 - قال أبو عمر : هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جميع الرواة ، لم يختلفوا في أنه بلاغ عن ثور بن زيد .

32567 - ورواه إبراهيم بن طهمان عن مالك ، عن ثور بن زيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس .

32568 - وإبراهيم بن طهمان ثقة .

[ ص: 237 ] 32569 - والحديث معروف لابن عباس ، قد ذكرناه من طرق في التمهيد :

32570 - منها ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني إبراهيم بن عبد الرحيم ، قال : حدثني موسى بن داود ، قال : [ ص: 238 ] حدثني محمد بن مسلم الطائفي ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي الشعثاء ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كل قسم قسم في الجاهلية ، فهو على ما قسم ، وكل قسم أدركه الإسلام ولم يقسم ، فهو على قسمة الإسلام .

32571 - واختلفت الرواية عن مالك من معنى هذا الحديث في الفرق بين من لا كتاب له من الكفار ، وبين أهل الكتاب :

32572 - فروى سحنون ، وأبو ثابت عن ابن القاسم ، قال : سألت مالكا عن الحديث الذي جاء : أيما دار قسمت في الجاهلية ، فهي على قسمة الجاهلية ، وأيما دار أدركها الإسلام ، ولم تقسم ، فهي على قسم الإسلام .

32572 م - فقال مالك : الحديث لغير أهل الكتاب ; فأما اليهود والنصارى ، فهم على مواريثهم ، لا ينقل الإسلام مواريثهم التي كانوا عليها .

32573 - قال إسماعيل بن إسحاق : قول مالك هذا على أن النصارى واليهود لهم مواريث قد تراضوا عليها ، وإن كانت ظلما ، فإذا أسلموا على ميراث قد مضى ، فهم كما لو اصطلحوا عليه ، ثم يكون ما يحدث من مواريثهم بعد الإسلام .

32574 - قال أبو عمر : روى ابن نافع ، وأشهب ، وعبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون ، ومطرف ، عن مالك أن ذلك في الكفار كلهم : المجوس ومشركي العرب ، وأهل الكتاب ، وجميع أهل الملل ; ذكره ابن حبيب عنهم .

32575 - وكذلك روى أصبغ ، عن ابن القاسم أنه أجابه في معنى هذا [ ص: 239 ] الحديث بذلك على ما ذكرناه عنه في التمهيد .

32576 - وهذا أولى ; لما فيه من استعمال الحديث على عمومه ، وظاهره ولأن الكفر لا تفترق أحكامه فيمن أسلم منهم أنه يقر على نكاحه ، ويلحقه ولده .

32577 - وعند مالك ، وأصحابه أن أهل الكفر كلهم في الجزية سواء كما هم عند الجميع في مقاتلتهم ، وسبي ذراريهم في الدنيا ، وفي الخلود في النار ، فلا وجه لفرق بين شيء من أحكامهم إلا ما خصته السنة ، فيسلم لها كما خصت الكتابيين في أكل ذبائحهم ، ونكاح نسائهم ، ومحال أن يكون جماعة مؤمنون يقتسمون ميراثهم على شريعة الكفر .

32578 - وهو قول ابن شهاب وجمهور أهل العلم بالحجاز ، والعراق ، وهو قول الليث ، والشافعي ، والأوزاعي ، والثوري ، وأبي حنيفة ، وأصحابه .

32579 - فإن أسلم بعض ورثة الميت بعد موته ، وبعد قسم الميراث ، أو أعتق ، فلا شيء به من الميراث ; لأنه وجب يوم مات الموروث .

32580 - هذا قول جماعة فقهاء الأمصار ، وجمهور التابعين ، إلا قوما من أهل البصرة .

32581 - ورواية جاءت عن عمر ، وعثمان من روايتهم ، إسنادها ليس بالقائم ، رواها حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن حسان بن بلال المزني ، عن يزيد بن قتادة أن إنسانا من أهله مات ، وهو على غير دين الإسلام ، قال : [ ص: 240 ] فورثته ابنته دوني ، وكانت على دينه ، ثم إن جدي أسلم ، وشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينا ، فتوفي وترك نخلا ، فأسلمت ، وخاصمتني في الميراث إلى عثمان بن عفان ، فحدث عبد الله بن الأرقم ، أن عمر قضى أنه من أسلم على ميراث قبل أن يقسم ، فإنه نصيبه ، فقضى له عثمان ، فذهبت بالأولى ، وشاركتني في الآخرة .

32582 - وروى سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن حسان بن بلال ، عن يزيد بن قتادة العنزي ، عن عبد الله بن الأرقم - كاتب عمر - أن عمر بن الخطاب قال : من أسلم على ميراث قبل أن يقسم صار الميراث له بإسلامه واجبا .

32583 - وروى سعيد بن زريع ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن يزيد بن قتادة ، قال : توفيت أمنا مسلمة ، ولي إخوة نصارى ، فأسلموا قبل أن يقسم الميراث ، فدخلوا على عثمان ، فسأل : كيف قضى في ذلك عمر ؟ فأخبر ، فأشرك بيننا .

32584 - وبهذا قال الحسن البصري ، وأبو الشعثاء - جابر بن زيد - ، وقتادة ، وحميد الطويل ، وإياس بن معاوية .

32585 - وروى وهيب ، عن يونس ، عن الحسن ، قال : من أسلم على ميراث قبل أن يقسم ، فهو أحق به .

[ ص: 241 ] 32586 - وقال الحسن : فإن قسم بعض الميراث ، ثم أسلم ، ورث ما لم يقسم ، ولم يرث بما قسم .

32587 - وحجة من قال بهذا أو ذهب إليه حديث هذا الباب المسند ، والمرسل على ما ذكرناه في أوله .

32588 - وقد روى عبد الوارث ، عن كثير بن شنظير ، عن عطاء أن رجلا أسلم على ميراث على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يقسم ، فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصيبه منه .

32589 - قال أبو عمر : حكم من أعتق قبل القسم عند هؤلاء كحكم من أسلم ، إلا أنه اختلف فيه عن الحسن :

فمرة هو قال بمنزلة من أسلم .

ومرة قال : من أسلم ورث ، ومن أعتق لم يرث; لأن الحديث إنما جاء ممن أدرك الإسلام .

32590 - وبه قال إياس بن معاوية .

32591 - وروى حماد بن سلمة ، عن حميد ، قال : كان إياس بن معاوية يقول : أما النصراني يسلم ، فنعم ، وأما العبد يعتق ، فلا .

32592 - وبه قال حميد .

32593 - وروى أبو زرعة الرازي ، قال : حدثني موسى بن إسماعيل ، قال : حدثني حماد ، عن حميد ، عن الحسن ، قال : العبد إذا أعتق على ميراث قبل أن [ ص: 242 ] يقسم ، فهو أحق به .

32594 - وهو قول مكحول ، وبه قال أبو زرعة فيمن أسلم على ميراث قبل أن يقسم أنه له ، وخالفه أبو حاتم الرازي ، فقال : ليس له من الميراث شيء .

32595 - قال أبو عمر : قد ذكرنا أن جمهور العلماء على أن الوارث لا يستحق الميراث إلا في حين موت المورث ، وأنه - حينئذ - يجب لمن أوجبه الله تعالى بالدين والنسب ، والحرية ، والحياة ، وإن كان حملا في البطن .

32596 - وهو قول جماعة فقهاء الأمصار .

32596 م - روى يزيد بن زريع ، عن داود بن أبي هند ، عن سعيد بن المسيب ، قال : إذا مات الميت يرد الميراث لأهله .

32597 - ويزيد بن زريع ، عن سعيد عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، قال : إن أسلم على ميراث قبل أن يقسم ، أو أعتق على ميراث قبل أن يقسم ، فليس لواحد منهما شيء ، وجبت الحقوق لأهلها حيث مات .

32598 - وقال شعبة : سألت الحكم ، وحمادا عن رجل أسلم على ميراث ، فقالا : ليس له شيء .

[ ص: 243 ] 32599 - وذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء ، وابن أبي ليلى : إن مات مسلم ، وله ولد نصارى ، ثم أسلموا ولم يقسم ميراثه حتى أسلموا ، فلا حق لهم وقعت المواريث قبل أن يسلموا .

32600 - قال : وأخبرنا معمر ، عن الزهري سمعه يقول : إذا وقعت المواريث ، فمن أسلم على ميراث نفذ ، فلا شيء له .

32601 - وبه قال مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم ، والليث ، والأوزاعي ، والثوري ، وعليه العمل ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية