الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1433 - قال مالك فيمن هلك وترك أموالا بالعالية والسافلة : إن البعل لا يقسم مع النضح ، إلا أن يرضى أهله بذلك ، وإن البعل يقسم مع العين ، إذا كان يشبهها ، وإن الأموال إذا كانت بأرض واحدة ، الذي بينهما متقارب ، أنه يقام كل مال منها ثم يقسم بينهم ، والمساكن والدور بهذه المنزلة .


32602 - قال أبو عمر : اختلف فقهاء الأمصار في قسمة الأرضين ، والدور على ما أصف لك :

[ ص: 244 ] 32603 - فمذهب مالك ما ذكره ابن القاسم وغيره عنه أنه قال : إذا كانت الدور متقاربة ، والغرض فيها متقاربا قسمت قسما واحدا ، وإن افترقت البقاع ، واختلفت الأغراض قسمت كل دار على حدة ، وكذلك الأرضون والقرى .

32604 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما : تقسم كل دار ، وكل ضيعة على حدة ، ولا يقسم بعضها على بعض .

32605 - وحجتهم أن كل بقعة ودار تعتبر بها على نفسها ، لا تتعلق الشفعة دون غيرها .

32606 - واختلفوا فيما لا ينقسم من الدور إلا على ضرر بأحد الشريكين ، أو بهما معا :

32607 - فقال مالك : ما لا ينتفع بما يقسم منه أجبرا جميعا على البيع إذا أحبا القسمة ، واقتسما الثمن ، وكذلك الثياب ، والحيوان .

32608 - وقال أبو حنيفة ، والشافعي : إن اتفقا على قسمة ما لا ينتفعان به من كل شيء يملكانه قسم بينهما ، فإن أبيا من قسمة ما فيه عليهما جميعا ضرر في القسمة لم يجبر على البيع ، ولا على القسمة إن شاءا حبسا وإن شاءا باعا ، وإن شاءا قسما ، ولا يجبران على البيع ، ولا على القسمة ، ولا في الحيوان ، ولا في الثياب ، ولا في شيء ; لأن الله - عز وجل - يقول : إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم [ النساء : 29 ] .

32609 - واختلفوا إن انتفع أحد منهم بنصيبه من الدار والحانوت وسائر [ ص: 245 ] العقار ، ولم ينتفع الآخر ، وطلبوا جميعا القسمة :

32610 - فاتفق مالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي أنه يقسم بينهم .

32611 - وقال ابن القاسم : لا يقسم حتى يكون لكل واحد منهما ما ينتفع به .

32612 - وقال مالك ، وأبو حنيفة : إذا طلب من ينتفع بنصيبه القسمة قسم ، وإن لم ينتفع الآخر ، وتقسم العرصة عند مالك ، وإن لم ينتفع بنصيبه واحد منهما إذا طلب واحد منهما القسمة خلاف المنزل .

32613 - قال : ولا يقسم الطريق إلا بالإجماع من الشركاء على ذلك .

32614 - وقال مالك في الحمام بين الشركاء : إنه يقسم .

32615 - قال ابن القاسم : وأرى الحائط يقسم .

32616 - قال : وقال مالك : لا يقسم الحائط والطريق إلا أن يتراضى الورثة على قسمته .

32617 - أما الحمام ، فهو عرصة كالبيت الصغير .

32618 - وقال الليث : ما كان ينقسم ، فإنه يقسم ، ولا يباع ، وما كان من دار لا تنقسم .

32619 - والحمام والحانوت ، فإنه يباع ويقسم الثمن ، إلا أن يشتريه بعض الشركاء بأغلى ما يوجد من الثمن ، فيكون أولى .

32620 - قال أبو عمر : روى ابن الماجشون ، عن مالك أن الحمام لا يقسم; [ ص: 246 ] لأنه يصير غير حمام .

32621 - وروى ابن القاسم ، وأشهب عنه أنه يقسم .

32622 - وهو قول أشهب .

32623 - وقال ابن القاسم : لا يقسم .

32624 - وقال الشافعي : إذا كان واحد منهم ينتفع بنصيب قسمته ، وإن لم ينتفع الباقون بما يصير إليهم ، - يعني إذا تراضوا على ذلك - فإذا لم يتراضوا بالقسمة لما عليهم فيها من الضرر ، وطلبها أحدهم ممن له في القسمة نفع بنصيبه ، أو لا نفع له ، لم يجبروا إلا أن يكونوا إذا اجتمع الذين لا يريدون القسمة فينتفعوا بنصيبهم ، فيجمعهم ، فيبرز للطالب نصيبه .

32625 - قال أبو عمر : احتج من رأى قسمة العقار كله ، وإن غيرته القسمة عن اسمه ، وحاله إذا دعا أحد الشركاء إلى ذلك بظاهر قول الله عز وجل : مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا [ النساء : 7 ] .

32626 - واحتج من خالفه في ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم - : لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ، وهو لفظ محتمل للتأويل ، لا حجة فيه .

32627 - وأحسن منه وأوضح ما رواه ابن جريج ، عن صديق بن موسى بن عبد الله بن الزبير ، عن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تعضية على أهل المواريث ، إلا ما حمل القسم ، والتعضية .

[ ص: 247 ] 32628 - التفرقة في اللغة ، يقول لا قسمة بينهم ، إلا فيما احتمل القسم ، والله أعلم .

32629 - وأما اختلاف أصحاب مالك في قسمة الأرض : البعل منها ، والسقي :

32630 - فذكر ابن عبدوس عن سحنون في قول مالك في موطئه : لا يقسم النضح مع البعل إلا أن يرضى أهله بذلك .

32631 - قال سحنون : فحمل هذه اللفظة على أن الشركاء تراضوا بذلك ، وأما بالسهم ، فلا ينبغي .

32632 - قال ابن عبدوس : وأصحاب مالك على ذلك ، إلا أشهب ، فإنه يقول : يجمع لمن أراد الجمع ، ويفرق لمن أراد التفرقة .

32633 - وهو خلاف لقول مالك حيث يقول : لا يجمع بين رجلين في القسم .

32634 - قال ابن عبدوس : ومعنى قول أشهب أنه يجعل سهم الذين أرادوا الجمع بينهما واحدا ، وسهم الذين أرادوا التفرقة بينهما خلاف .

32635 - وهو خلاف جميع أصحاب مالك .

32636 - وذكر سحنون ، عن ابن القاسم ، قال : إذا كانت المواضع مختلفة ، وكانت قريبة ، قسمت كل أرض على حدتها ، وإن كانت المواضع قريبا بعضها من [ ص: 248 ] بعض ، وكانت في الكرم سواء جمع في القسم .

32637 - قال سحنون : لا نعرف هذا ، والذي نعرفه من قول مالك أن الأرض إذا تقاربت مواضعها ، وكانت في نمط واحد قسمت قسما واحدا ، وإن اختلفت في القيمة .

32638 - وقال أشهب : إذا تقاربت المواضع قسمت قسما واحدا ، وإن اختلفت في الكرم .

32639 - قال أبو عمر : اختلافهم في قسمة الأموال على اختلاف أصنافها كثير جدا .

32640 - وقد ذكرنا ذلك في كتاب القسمة من ديوان اختلافهم ، والحمد لله كثيرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية