الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
15 [ ص: 257 ] ( 3 ) باب من أدرك ركعة من الصلاة

13 - مالك ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أدرك ركعة من الصلاة ، فقد أدرك الصلاة " .


[ ص: 258 ] 467 - هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة الرواة .

468 - وروى عبيد الله بن عبد المجيد أبو علي الحنفي ، عن مالك ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ووقتها " .

469 - وهذا أيضا لم يقله عن مالك غيره ، وهو مجهول لا يحتج به .

470 - والصواب عن مالك ما في الموطأ .

471 - وكذلك رواه جماعة : رواه ابن شهاب ، كما رواه مالك في الموطأ .

472 - إلا ما رواه نافع بن يزيد ، عن يزيد بن الهاد ، عن عبد الوهاب بن أبي بكر ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وفضلها " وهذا لفظ أيضا لم يقله أحد عن ابن شهاب .

[ ص: 259 ] 473 - وقد روى هذا الحديث : الليث بن سعد ، عن ابن الهاد ، عن ابن شهاب ، فلم يذكر في الإسناد : عبد الوهاب ، ولا جاء بهذه اللفظة ، أعني قوله : وفضلها .

474 - وقد اختلف الفقهاء في معنى هذا الحديث ، فقالت طائفة منهم : أراد بقوله ذلك أنه أدرك وقتها .

475 - حكي عن داود بن علي ، وأصحابه قالوا : إذا أدرك الرجل من [ ص: 260 ] الظهر أو العصر ركعة وقام فصلى الثلاث ركعات فقد أدرك الوقت في جماعة ، وثوابه على الله تعالى .

476 - قال أبو عمر : هؤلاء قوم قد جعلوا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " في معنى قوله : " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح " .

477 - وليس كما ظنوا ; لأنهما حديثان لكل واحد منهما معنى على ما بيناه في كتابنا هذا ، وفي " التمهيد " أيضا ، والحمد لله .

478 - وقال آخرون : من أدرك ركعة من الصلاة في جماعة فقد أدرك فضل الجماعة ; لأن صلاته صلاة جماعة في فضلها وحكمها ، واستدلوا على ذلك من أصولهم : بأنه لا يعيد في جماعة من أدرك ركعة من صلاة الجماعة .

479 - وقال آخرون : معنى الحديث أن مدرك ركعة من الصلاة مدرك لحكمها كله ، وهو كمن أدرك جميعها فيما يفوته من سهو الإمام وسجوده لسهوه وإن لم يدركه معه ، وأنه لو أدرك وهو مسافر ركعة من صلاة المقيم لزمه حكم المقيم في الإتمام ، ونحو هذا من حكم الصلاة . وهذا قول مالك وأصحابه .

480 - والحديث يقتضي عمومه ، وظاهره أن مدرك ركعة من صلاة الإمام مدرك للفضل والوقت والحكم إن شاء الله ، وإن لم يدرك الركعة بتمامها فلم يدرك حكم الصلاة .

481 - وأما الفضل فإن الله يتفضل بما يشاء على من يشاء ، والفضل فضله يؤتيه من يشاء .

[ ص: 261 ] 482 - وإذا كان الذي ينام عن صلاته بالليل يكتب له أجر صلاته ، والذي ينوي الجهاد فيحبسه العذر يكتب له أجر المجاهد ، والمريض يكتب له ما كان يعمله صحيحا ، ومنتظر الصلاة في صلاة ، فأين مدخل النظر هاهنا ؟ .

483 - وقد وردت آثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن توضأ فأحسن وضوءه ، ثم راح فوجد الناس قد صلوا أنه يعطيه أجر من صلاها وحضرها .

484 - قد ذكرناها في " التمهيد " وذكرنا هناك عن أبي هريرة وهو الذي روى حديث " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " - أنه قال : إذا انتهى إلى القوم وهم قعود في صلاتهم فقد دخل في التضعيف ، وإذا انتهى إلى القوم وقد سلم الإمام ولم يتفرقوا فقد دخل في التضعيف .

485 - قال عطاء بن أبي رباح : وكان يقال : إذا خرج من بيته وهو ينويهم ، فقد دخل في التضعيف .

486 - وعن أبي وائل ، وشريك : من أدرك التشهد فقد أدرك فضلها .

487 - وقال أبو سلمة - وهو راوية هذا الحديث - من خرج من بيته قبل أن يسلم الإمام فقد أدرك .

488 - وهذا كله يؤيد أن الفضل والأجر على قدر النية ، فلا مدخل للقياس والنظر ، وما كل مصل يتقبل منه ، فكيف يضاعف له ؟ والله يؤتي فضله من يشاء .

[ ص: 262 ] 489 - وفي هذا الحديث دليل على أن من لم يدرك من الصلاة ركعة فلم يدركها ، ولا له مدخل في حكمها من حصول سهو لم يدركه مع إمامه ، وانتقال فرضه من ركعتين إلى أربع ، ونحو هذا .

490 - إلا أن الفقهاء اختلفوا في معنى هذا الدليل هاهنا : فمن ذلك قولهم : من أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها أخرى ، ومن لم يدرك ركعة منها صلى ظهرا .

491 - هذا قول مالك ، والشافعي ، وأصحابهما ، والثوري ، والحسن بن حي ، والأوزاعي ، وزفر بن الهذيل ، ومحمد بن الحسن في الأشهر عنه ، والليث بن سعد ، وعبد العزيز بن سلمة ، وابن حنبل .

492 - وورد ذلك عن علي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وعلقمة ، والأسود ، والحسن ، وسعيد بن المسيب ، وغيره ، وإبراهيم ، وابن شهاب ، وبه قال إسحاق ، وأبو ثور .

493 - وقال ابن شهاب : هي السنة .

494 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف : " إذا أحرم في الجمعة قبل سلام الإمام صلى ركعتين " روي ذلك عن إبراهيم النخعي ، والحكم بن عيينة ، وحماد بن أبي سليمان ، وهو قول داود .

495 - وحجتهم قوله - عليه السلام - : " ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فاقضوا " قالوا : والذي فاته ركعتان لا أربع .

[ ص: 263 ] 496 - ومن ذلك أيضا اختلافهم فيمن فاتته الخطبة يوم الجمعة : فإن عطاء بن أبي رباح ، وطاوسا ، ومجاهدا ، ومكحولا قالوا : من فاتته الخطبة يوم [ ص: 264 ] الجمعة صلى أربعا قالوا : لم تقصر الصلاة في يوم الجمعة إلا من أجل الخطبة ، فمن لم يدركها صلى ظهرا .

497 - وهذا قول يبطل بقوله - عليه السلام - " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " .

498 - حدثني محمد بن عبد الله بن حكيم قال : حدثنا محمد بن معاوية القرشي قال : حدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا عبد الحميد قال : حدثنا الأوزاعي قال : سألت الزهري عن رجل فاتته خطبة الإمام يوم الجمعة وأدرك الصلاة ، فقال : حدثني أبو سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها " .

499 - وأما مسألة المسافر يدرك ركعة من صلاة المقيم ، فأيسر الناس في ذلك مالك .

[ ص: 265 ] 500 - قال : إذا لم يدرك المسافر من صلاة الإمام ركعة صلى ركعتين ، وإن أدرك منها ركعة تامة بسجدتيها صلى أربعا .

501 - وهو قول الحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، وابن شهاب الزهري ، وقتادة .

502 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، والثوري ، والأوزاعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبو ثور : إذا دخل المسافر في صلاة المقيم صلى أربعا صلاة مقيم ، وإن أدركها في التشهد .

503 - وروي ذلك عن ابن عباس ، وابن عمر ، وجماعة من التابعين .

504 - وقال الشافعي : إذا أحرم قبل أن يسلم الإمام لزمته صلاة المقيم .

505 - وفي هذه المسألة قولان شاذان : أحدهما لطاوس ، والشعبي ، والثاني لإسحاق بن راهويه ، قد ذكرتهما في " التمهيد " .

506 - وأما سجود السهو فقال مالك : إذا أدرك مع الإمام ركعة لزمه أن يسجد معه لسهوه ، وسواء أدرك السهو أو لم يدرك ، وإن لم يدرك معه ركعة لم يلزمه السجود منه .

[ ص: 266 ] 507 - ومذهبه في ذلك أن سجدتي السهو إن كانتا قبل السلام سجدهما معه ، وإن كانتا بعد السلام لم يسجدهما معه ، وسجدهما إذا أتم صلاته .

508 - وهو قول الأوزاعي ، والليث بن سعد .

509 - وقال الشافعي ، والكوفيون ، وسائر الفقهاء : من دخل مع الإمام في بعض صلاته لزمه سهوه ، وسجد معه .

510 - وعن الشافعي أيضا : أنه يسجدهما بعد القضاء أيضا .

511 - وهذا كله في ( حديث ) : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها ، ومن لم يدرك منها ركعة فلم يدركها ، واستعمال الناس بهذا الحديث واستعمال نصه دليل خطأ به مالك وأصحابه .

التالي السابق


الخدمات العلمية