الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 267 ] 30 - باب القضاء فيما يعطى العمال

1439 - قال مالك فيمن دفع إلى الغسال ثوبا يصبغه فصبغه ، فقال صاحب الثوب : لم آمرك بهذا الصبغ . وقال الغسال : بل أنت أمرتني بذلك : فإن الغسال مصدق في ذلك ، والخياط مثل ذلك ، والصائغ مثل ذلك ، ويحلفون على ذلك ، إلا أن يأتوا بأمر لا يستعملون في مثله ، فلا [ ص: 268 ] يجوز قولهم في ذلك ، وليحلف صاحب الثوب ، فإن ردها وأبى أن يحلف ، حلف الصباغ .


32741 - قال أبو عمر : اختلف العلماء في هذه المسألة ومثلها : 32742 - فمنهم من قال كقول مالك : القول قول العمال .

32743 - ومنهم من قال القول قول رب الثوب .

32744 - والأصل في هذا معرفة المدعي على المدعى عليه ، والقول أبدا عند جميعهم قول المدعى عليه إن لم تكن للمدعي بينة .

32745 - فمن جعل رب الثوب مدعيا فلأنه قد أقر أنه أذن للصباغ في صبغ الثوب ، ثم ادعى أنه لم يعمل له ما أمره به وكذلك الخياط ، قد أقر له رب الثوب أنه أذن له في قطعه ، ثم ادعى بعد أنه لم يقطعه القطع الذي أمره به ; ليمضي عمله باطلا .

32746 - ومن جعل القول قول رب الثوب ، فحجته أن الصباغ أحدث في ثوب غيره ما لم يوافقه عليه ربه ، ولا بينة له ، وصار مدعيا ، ورب الثوب منكر لدعواه أنه أذن له في ذلك العمل ، فالقول قوله ; لإجماعهم أنهما لو اتفقا على أنه استأجره على عمل ، ثم ادعى أنه عمله ، فقال رب المال : لم يعمله ، فالقول قول رب العمل .

[ ص: 269 ] 32747 - وقال الشافعي في كتاب اختلاف ابن أبي ليلى ، وأبي حنيفة : لو اختلفا في ثوب ، فقال له ربه : أمرتك أن تقطعه قميصا ، وقال الآخر : بل قباء قال ابن أبي ليلى : القول قول الخياط ; لاجتماعهما على القطع .

وقال أبو حنيفة : القول قول رب الثوب ، قال : لأنهما قد اجتمعا ; لأنه قد أمره بالقطع ، فلم يعمل له عمله كما لو استأجره على حمل شيء بإجارة فقال : لقد حملته ، لم يكن ذلك إلا بإقرار صاحبه .

32748 - قال الشافعي : وهذا أشبه القولين ، وكلاهما مدخول .

32749 - قال المزني : هو كما قال الشافعي ; لأنه لا خلاف أعلمه بينهم أنه من أحدث حدثا فيما لا يملك ، فإنه مأخوذ بحدثه ، وأن الدعوى لا تنفعه ، والخياط مقر بأن الثوب لربه ، وأنه أحدث حدثا وادعى إذنه وإجازته عليه ، فإن أقام بينة على دعواه ، وإلا حلف صاحبه ، وضمن ما أحدثه في ثوبه .

32750 - قال أبو عمر : المدعي متى أشكل أمره من المدعى عليه ، فواجب الاعتبار فيه هل هو آخذ ، أو دافع ؟ وهل يطلب استحقاق شيء على غيره ، أو نفيه ، فالطالب أبدا مدع والدافع المنكر مدعى عليه ، فقف على هذا الأصل تصب ، إن شاء الله .

[ ص: 270 ] 32751 - وقد اختلف أصحاب مالك إذا قال رب الثوب للصانع أودعتك الثوب ، وقال الصانع : بل أعطيتنيه للعمل ، فالقول قول الصانع مع يمينه عند ابن القاسم .

32752 - قال سحنون : وقال غيره : الصانع مدع ، والقول قول رب الثوب ، كما لو قال لم أدفعه إليك ، ولكن سرق مني كان القول قوله .

32753 - قال أبو عمر : الأمر في هذا واضح بأن القول قول رب الثوب في إجماعهم على أنه لو قال : رهنتني ثوبك هذا ، وقال ربه : بل أودعتكه أن القول قول رب الثوب .

التالي السابق


الخدمات العلمية