الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 283 ] 32 - باب القضاء فيمن ابتاع ثوبا وبه عيب

1442 - قال مالك : إذا ابتاع الرجل ثوبا وبه عيب من خرق أو غيره قد علمه البائع ، فشهد عليه بذلك ، أو أقر به ، فأحدث فيه الذي ابتاعه حدثا من تقطيع ينقص ثمن الثوب ، ثم علم المبتاع بالعيب ، فهو رد على البائع ، وليس على الذي ابتاعه غرم في تقطيعه إياه .

قال : وإن ابتاع رجل ثوبا وبه عيب من حرق أو عوار ، فزعم الذي باعه أنه لم يعلم بذلك ، وقد قطع الثوب الذي ابتاعه ، أو صبغه ، فالمبتاع بالخيار ، إن شاء أن يوضع عنه قدر ما نقص الحرق أو العوار من ثمن الثوب ، ويمسك الثوب فعل ، وإن شاء أن يغرم ما نقص التقطيع أو الصبغ من ثمن الثوب ويرده فعل ، وهو في ذلك بالخيار ، فإن كان المبتاع قد صبغ الثوب صبغا يزيد في ثمنه ، فالمبتاع بالخيار ، إن شاء أن يوضع عنه قدر ما نقص العيب من الثوب ، وإن شاء أن يكون شريكا للذي باعه الثوب فعل ، وينظر كم ثمن الثوب وفيه الحرق أو العوار ، فإن كان ثمنه عشرة دراهم ، وثمن ما زاد فيه الصبغ خمسة دراهم ، كانا شريكين في [ ص: 284 ] [ ص: 285 ] الثوب ، لكل واحد منهما بقدر حصته فعلى حساب هذا ، يكون ما زاد الصبغ في ثمن الثوب .


32820 - هكذا [ هو في الموطأ ] عند جميعهم .

32821 - وقوله : قد علمه البائع هو الذي ذكره ابن القاسم عنه إذا دلس البائع بالعيب .

32822 - قال ابن القاسم ، عن مالك : إذا دلس بالعيب ، وهو يعلم ثم أحدث المشتري في الثوب ، أو قطعه قميصا ، أو ما أشبهه ، فإن المشتري بالخيار ، إن شاء حبس الثوب ، ورجع على البائع بما بين الصحة والداء ، وإن شاء رده ، ولا شيء عليه .

32823 - وإن كان الصباغ يزيد فيه . . . ، فذكر ما في الموطأ على حسب ما أوردناه .

32824 - وقول أحمد في ذلك كقول مالك .

32825 - وقال ابن القاسم : قال مالك : ولو لبسه المشتري ، فأنقصه لبسه ، فعليه ما نقصه لبسه إن أراد رده .

32826 - قال مالك : والتدليس بالحيوان وغير التدليس سواء ; لأن الحيوان لم يبعه إياه على أن يقطعه ، والثياب اشتراها لتقطع .

[ ص: 286 ] 32827 - وإذا اشترى حيوانا ، فاعور عنده ، ثم اطلع على عيب لم يكن له أن يرده إلا أن يرد معه ما نقص إذا كان عورا ، أو غيره من عيب مفسد ، دلس أو لم يدلس ، وما كان من عيب ليس بمفسد ، فله أن يرده ، ولا يرد معه ما نقصه في الحيوان كله .

32828 - وقال الليث في الرجل يبتاع الثوب ، فيقطعه ، ثم يجد فيه العيب : فإن كان مثل الخرق ، والرفو حلف البائع بالله ما علم ذلك فيه .

32829 - وأما ما كان من السقط ، فإنه إن علم أنه كان عند البائع ، فهو رد عليه ، ويغرم له البائع أجر الخياطة .

32830 - وقال الثوري : إذا حدث به عيب عند المشتري واطلع على عيب لم يرده ، ورجع بقيمة العيب ليس له غير ذلك ، ورجع على البائع بفضل ما بين الصحة والداء .

32831 - وقول الشافعي في ذلك كقول الثوري .

32832 - قال الشافعي : إذا حدث به عيب عند المشتري ، ثم اطلع على عيب رجع بقيمة العيب ، ليس له غير ذلك إلا أن يشاء البائع أن يقبله ، ولا يأخذ شيئا .

32833 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا خاط الثوب قميصا ، أو صبغه ، ثم اطلع على عيب رجع بقيمة العيب ، وليس للبائع أن يقبله ، وإن قطعه قميصا ، ولم يخطه ، ثم اطلع على عيب ، رجع بالعيب ، إلا أن يشاء البائع أن يقبله ، ويرد عليه ثمنه ، وكذلك إذا حدث به عيب عند المشتري .

32824 - وقال الحكم بن عتيبة : يرده في حدوث العيب ، ويرد ما نقص [ ص: 287 ] العيب الحادث عنده .

32835 - وقال عثمان البتي في الثوب والخشب إذا قطعهما ، ثم وجد عيبا ردهما مقطوعين ، ولا شيء عليه في القطع .

32836 - قال أبو عمر : القطع من المشتري في الثوب ، والصبغ الذي ينقصه بمنزلة العيب الحادث به ، ولا ينبغي له أن يرده ، ويأخذ ثمنه الذي أعطاه فيه إلا أن يكون الثوب بحاله كما أخذه ، وأما إذا زاد الصبغ في الثوب ، فهو عين ما للمشتري ؛ ولذلك كان الجواب فيه كما قال مالك ، ومن اتبعه في ذلك .

32837 - وأما من لم ير للمشتري إذا حدث عنده عيب ، ثم اطلع على عيب كان للبائع أن يرد ما وجد به العيب ، ولأنه شيء إلا أن يرجع بقيمة الذي كان عند البائع ، فلما وصفنا; لأن الثوب قد دخله ما غيره عن حاله التي باعها عليه البائع ، فليس للمشتري إلا الرجوع بما دلس له به البائع ، وسواء علم أو لم يعلم عندهم ; لأن الخطأ في ذهاب الأموال كالعمد .

32838 - وقول من قال : يرد المبيع بالعيب ، فيرد معه قيمة ما حدث عنده من العيب ، فهو اعتبار ذلك المعنى; لأنه إذا رد قيمة ما حدث عنده من العيب ، فكأنه رده بحاله ; لأنه قد أخذ النقصان بالعيب الحادث عند المشتري حقه .

32839 - وأما قول عثمان البتي ، فقول ضعيف ، وكأنه لما قال لم يبن له العيب ، فقد سلطه على القطع ، فلا شيء له فيه ، وقد بين مالك الفرق عنده بين الثياب والحيوان فيما حكاه ابن القاسم عنه ، والمخالف له يقول : لا فرق بين الحيوان والثياب ; لأن البائع كما أذن له في القطع ، [ ص: 288 ] واللبس كذلك أذن له في الوطء والتأديب .

32840 - وقد أجمع القائلون برد الثوب الموجود فيه العيب أنه إذا لبسه لبسا يبليه به أنه لا يرده إلا ويرد معه ما نقصه اللبس ، والأكثر يقولون : إنه لا يرده ، وأن له قيمة العيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية