الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1475 1445 - مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري ; أن عمر بن الخطاب قال : ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا ثم يمسكونها . فإن مات ابن أحدهم ، قال : مالي بيدي . لم أعطه أحدا . وإن مات هو قال : هو لابني قد كنت أعطيته إياه . من نحل نحلة ، فلم يحزها الذي نحلها ، حتى يكون إن مات لورثته ، فهي باطل .


32919 - قال أبو عمر : صح القضاء من الخليفتين : أبي بكر وعمر ، وروي ذلك عن عثمان ، وعلي أن الهبة لا تصح إلا بأن يحوزها الموهوب له في حياة [ ص: 302 ] الواهب ، وينفرد بها دونه ، وقد تقدمت رواية مالك ، عن أبي بكر في ذلك .

32920 - ورواه ابن عيينة ، قال : حدثنا الزهري ، عن عروة عن عائشة أن أباها نحلها جادا عشرين وسقا من ماله ، فلما حضرته الوفاة جلس فتشهد وحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، يا بنية ، فإني - والله - إن أحب الناس إلي غنى بعدي لأنت ، وإن أعز الناس علي فقرا بعدي لأنت ، وإني كنت نحلتك جادا عشرين وسقا من مالي ، ووددت أنك حزتيه وجددتيه ، وإنما هو اليوم من مال الوارث ، وإنما هما أخواك ، وأختاك ، قالت : هذا أخواي ، فمن أختاي ؟ قال : ذو بطن بنت خارجة ، فإني أظنها جارية ، قالت : لو كان ما بين كذا وكذا لرددته .

32921 - قال أبو عمر : اتفق مالك ، والثوري ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم أن الهبة لا تصح إلا بالحيازة لها .

32922 - ومعنى الحيازة القبض بما يقبض به مثل تلك الهبة .

32923 - إلا أنهم اختلفوا في هبة المشاع ، وسنذكر ذلك بعد إن شاء الله تعالى .

32924 - والهبة عند مالك على ما أصفه لك تصح بالقول من الواهب والقبول من الموهوب له ، تتم بالقبض والحيازة ، وما دام الواهب حيا ، فللموهوب له المطالبة بها الواهب حتى يقبضها فإن قبضها تمت له ، وصارت ملكا من ملكه ، وإن لم يقبضها حتى يموت الواهب بطلت الهبة عنده ; لأنهم أنزلوها حين وهبها ، ولم [ ص: 303 ] يسلمها إلى أن مات منزلة من أراد إخراج تلك العطية بعد موته من رأس ماله لوارث أو غير وارث ، وكانت في يده طول حياته ، فلم يرض بها بعد مماته فلم يجز له شيء من ذلك .

32925 - هذا حكمه عند مالك ، وأصحابه إذا مات الواهب ، فإن مات الموهوب له قبله كان لورثته عنده أن يقوموا مقامه بالمطالبة لها حتى يسلم إليهم الواهب .

32926 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم : الهبة لا تصح إلا بالقبض من الموهوب له ، وتسليم من الواهب ، فإن لم يكن ذلك ، فهي باطل ، وليس للموهوب به أن يطالب الواهب بتسليمها ; لأنها ما لم تقبض عدة وعده بها فإن وفى حمد ، وإن لم يوف بما وعد ، ولم يوهب بما سلم لم يقض عليه شيء .

32927 - وقال أبو ثور ، وأحمد بن حنبل : تصح الهبة ، والصدقة غير مقبوضة .

32928 - ورووا ذلك عن علي - رضي الله عنه - من وجه لا يحتج به .

32929 - قال أبو عبد الله المروزي - رحمه الله - : اتفق أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي - رضي الله عنهم - أن الهبة لا تصح إلا مقبوضة .

32930 - وقد روي عن أحمد ، وهو الصحيح عنه أن الهبة إذا كانت مما يؤكل ، أو يوزن لم يصح شيء منها إلا بالقبض ، وما عدا المكيل والموزون ، فالهبة صحيحة جائزة بالقول ، وإن لم تقبض ، وذلك كله إذا قبضها الموهوب له .

[ ص: 304 ] 32931 - واختلفوا في هبة المشاع وكيف القبض فيها :

32932 - فقال مالك : هبة المشاع جائزة ، ولا تصح إلا بقبض الجميع ، وتصح للشريك في المشاع إذا تخل الواهب عنها وأخذها من يده ، وانفرد الشريك الموهوب له بها .

32933 - وقال الشافعي ، وأبو ثور ، وأحمد ، وإسحاق : تصح الهبة في المشاع ، والقبض فيها كالقبض في البيع سواء .

32934 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : الهبة للمشاع باطل ولا تصح إلا مقبوضة معلومة مفردة ، كما يصح الرهن عندهم ، فيفرد المرتهن ، وكذلك الموهوب له ويقبضه ، ولا شركة فيه لغيره . وقد بينا ذلك في كتاب الرهن .

التالي السابق


الخدمات العلمية