الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
189 [ ص: 190 ] ( 9 ) باب القراءة خلف الإمام فيما لا يجهر فيه بالقراءة

161 - حدثني يحيى عن مالك ، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة يقول : سمعت أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ، هي خداج ، هي خداج غير تمام " . قال : فقلت : يا أبا هريرة ، إني أحيانا أكون وراء الإمام ، قال : فغمز ذراعي ، ثم قال : اقرأ بها في نفسك يا فارسي ; فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " قال الله - تبارك ، وتعالى - " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ; فنصفها لي ، ونصفها لعبدي . ولعبدي ما سأل " . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اقرأوا ; يقول العبد : " الحمد لله رب العالمين " ، يقول الله - تبارك ، وتعالى - : حمدني عبدي . ويقول العبد : " الرحمن الرحيم " ، يقول الله : أثنى علي عبدي . ويقول العبد : " مالك يوم الدين " ، يقول الله : مجدني عبدي . يقول العبد : " إياك نعبد وإياك نستعين " ; فهذه الآية بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل . يقول العبد : " اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين " ; فهؤلاء لعبدي ، ولعبدي ما سأل " .


[ ص: 191 ] 4675 - وقد ذكرنا في التمهيد من روى هذا الحديث كما رواه مالك عن العلاء ، عن أبي السائب ، عن أبي هريرة ، ومن رواه عن العلاء ، عن أبيه وأبي السائب ; جميعا عن أبي هريرة .

4676 - وهي رواية غريبة عن مالك ، ومعروفة عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن أبي السائب ، عن أبي هريرة . وأخطأ فيه زياد بن يونس ، ومحمد بن خالد بن عثمة ; فروياه عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن محمد بن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج " .

4677 - وفي حديث زياد بن يونس بهذا الإسناد : " من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصلاته خداج " .

4678 - وهذا وهم وغلط ; لإدخال حديث أبي هريرة في حديث عبادة ، وإنما لفظ حديث عبادة : " لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب " .

[ ص: 192 ] 4679 - على أنه غريب جدا من حديث مالك ، ومحفوظ لابن عيينة وجماعة عن الزهري . ولفظ حديث أبي هريرة : " كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج " .

4680 - وفي حديث أبي هريرة هذا من الفقه : إيجاب قراءة فاتحة الكتاب في كل صلاة ، وأن الصلاة إذا لم يقرأ فيها فاتحة الكتاب فهي خداج ، وإن قرئ فيها بغيرها من القرآن .

4681 - والخداج : النقصان ، والفساد ، من قولهم : أخدجت الناقة ، وخدجت : إذا ولدت قبل تمام وقتها وقبل تمام الخلق ، وذلك نتاج فاسد .

4682 - وأما تحرير أهل البصرة فيقولون : إن هذا اسم خرج على المصدر ، يقولون : أخدجت الناقة ولدها : إذا ولدته ناقصا للوقت ; فهي مخدج ، والولد مخدج ، والمصدر الإخداج .

4683 - وأما خدجت : فرمت بولدها قبل الوقت ناقصا ، أو تاما ; فهي خادج ، والولد مخدوج وخديج . وهذا كله قول الخليل ، وأبي حاتم ، والأصمعي .

4684 - وقال الأخفش : خدجت الناقة : إذا ألقت ولدها لغير تمام ، وأخدجت : إذا قذفت به قبل الوقت ، وإن كان تام الخلق .

[ ص: 193 ] 4685 - وقد زعم من لم يوجب قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة ، وقال : هي وغيرها سواء ، وإن قوله : خداج - يدل على جواز الصلاة ; لأنه نقصان ، والصلاة الناقصة جائزة .

4686 - وهذا تحكم فاسد . والنظر يوجب في النقصان ألا تجوز معه الصلاة ; لأنها صلاة لم تتم .

4687 - ومن خرج من صلاة قبل أن يتمها فعليه إعادتها تامة كما أمر على حسب حكمها .

4688 - ومن ادعى أنها تجوز مع إقراره بنقصها فعليه الدليل ، ولا سبيل إليه من وجه يلزم . والله أعلم .

4689 - وأما اختلاف العلماء في هذا الباب فإن مالكا ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبا ثور ، وداود - قالوا : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب .

4690 - قال ابن خويز منداد : وهي عندنا معينة في كل ركعة ، قال : ولم يختلف قول مالك أن من نسيها في ركعة من صلاة ركعتين : إنها تبطل إن لم يأت بركعة يصلها بالركعة التي قرأ فيها ، ولا تجزيه .

4691 - واختلف قوله فيمن نسيها في ركعة من صلاة ثلاثية أو رباعية : فقال مرة : لا يعتد بتلك الركعة ، ويأتي بركعة يضيفها إلى الثلاث التي قرأ فيها بفاتحة الكتاب ، ويسجد بعد التسليم ، كالذي نسي سجدة ويذكر قبل السلام سواء ، فإن [ ص: 194 ] لم يفعل وسلم ، أو تكلم ، أو طال ذلك - أعاد الصلاة .

4692 - وهو قول ابن القاسم ، وروايته ، واختياره .

4693 - وقال في قول مالك الآخر : إنه ليس عنده بالبين .

4694 - وقال مالك مرة أخرى : يسجد سجدتي السهو وتجزيه ، وهي رواية ابن عبد الحكم عنه .

4695 - قال ابن عبد الحكم : وقد قيل : إنه يعيد تلك الركعة ، ويسجد للسهو بعد السلام .

4696 - وقال مرة : يسجد سجدتي السهو قبل السلام ، ثم يعيد الصلاة .

4697 - وقال الشافعي وأحمد بن حنبل : لا تجزيه صلاته حتى يقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة .

4698 - وهو قول جابر بن عبد الله على ما تقدم .

4699 - وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي : إن تركها عامدا في صلاته كلها وقرأ غيرها أجزأه ، على اختلاف عن الأوزاعي في ذلك .

4700 - وقال الطبري : يقرأ المصلي بأم القرآن في كل ركعة ، فإن لم يقرأ بها لم يجزه إلا مثلها من القرآن : عدة آياتها وحروفها .

4701 - وقال أبو حنيفة : لا بد في الأوليين من قراءة ، أقل ذلك في كل ركعة منها آية .

[ ص: 195 ] 4702 - وقال أبو يوسف ومحمد : أقله ثلاث آيات ، أو آية طويلة كآية الدين .

4703 - وقال مالك : إذا لم يقرأ أم القرآن في الأوليين أعاد ، ولم يختلف قوله في ذلك إلا ما روي عنه في ركعتين لم يخص أوليين من غيرها ، ومذهبه القراءة بها في الصلاة كلها ، فإن نسيها في ركعة أو ركعتين فجوابه ما تقدم ذكره .

4704 - وقال الشافعي : أقل ما يجزئ المصلي من القراءة أن يقرأ بفاتحة الكتاب إن أحسنها ، وإن لم يحسنها - وهو يحسن غيرها من القرآن - قرأ بعددها سبع آيات لا يجزيه دون ذلك . فإن لم يحسن شيئا من القرآن حمد الله وكبر مكان القراءة ، لا يجزيه غيره حتى يتعلمها .

4705 - قال : ومن أحسن فاتحة الكتاب فإن ترك منها حرفا واحدا وخرج من الصلاة أعاد الصلاة .

4706 - وروي عن عمر ، وابن عباس ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري ، وعثمان بن أبي العاص ، وخوات بن جبير - أنهم قالوا : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ، وهو قول ابن عمر والمشهور من مذهب الأوزاعي .

4707 - وأجمع العلماء على إيجاب القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة أربع على حسب ما ذكرنا من اختلافهم في فاتحة الكتاب وغيرها .

4708 - واختلفوا في الركعتين الأخريين ; فمذهب مالك ، والشافعي ، وأحمد ، [ ص: 196 ] وإسحاق ، وأبي ثور ، وداود - أن القراءة فيهما بفاتحة الكتاب واجبة على الإمام والمنفرد . ومن أبى منهم أن يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب فلا صلاة له ، وعليه إعادتها .

4709 - إلا أن مالكا اختلف قوله في الناسي لقراءتها في ركعة على ما ذكرنا عنه .

4710 - وقال الطبري : القراءة فيهما واجبة ، ولم يعين أم القرآن من غيرها .

4711 - وقد ذكرنا في التمهيد حديث أبي قتادة ، قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة ، وفي الأخريين بأم القرآن ، وكان يسمعنا الآية أحيانا " .

[ ص: 197 ] 4712 - وذكرنا هناك أيضا حديث ابن عمر : " أنه جاء رجل فقال : يا أبا عبد الرحمن ، هل في الظهر والعصر قراءة ؟ فقال : " وهل تكون صلاة بغير قراءة " .

4713 - قال أبو عمر : معلوم أن الركعة الواحدة صلاة ; فلا تجوز إلا بقراءة ، وكل ركعة كذلك .

4714 - وقال أبو حنيفة : القراءة في الآخرتين لا تجب ، وكذلك قال الثوري والأوزاعي .

4715 - قال الثوري : يسبح في الآخرتين أحب إلي من أن يقرأ ، وهو قول جماعة الكوفيين وسلف أهل العراق .

4716 - وقال الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه : يقرأ في الركعتين الأوليين ، وأما في الأخريين ; فإن شاء سبح ، وإن شاء قرأ .

4717 - وإن لم يقرأ ، ولم يسبح ، جازت صلاته . وهو قول إبراهيم النخعي ، ورواه أهل الكوفة عن علي ، وروى عنه أهل المدينة خلاف ذلك .

4718 - قال أبو عمر : روي عن علي ، وجابر بن عبد الله ، والحسن ، وعطاء ، والشعبي ، وسعيد بن جبير : القراءة في الركعتين الآخرتين من الظهر [ ص: 198 ] والعصر بفاتحة الكتاب في كل ركعة منها ، وثبت ذلك عن النبي - عليه السلام - ; فلا وجه لمن خالفه . وبالله التوفيق .

4719 - واختلفوا فيمن ترك القراءة في كل ركعة .

4720 - فأما مالك فقد ذكرنا مذهبه واختلاف الرواية عنه .

4721 - وقال الأوزاعي : من قرأ في نصف صلاته مضت صلاته ، وإن قرأ في ركعة واحدة من المغرب أو الظهر أو العصر أو العشاء ، ونسي أن يقرأ فيما بقي من صلاته - أعاد صلاته .

4722 - وأما إسحاق بن راهويه فقال : إذا قرأ في ثلاث ركعات إماما كان أو منفردا فصلاته جائزة ; لما أجمع الناس عليه : أن من أدرك الركوع أدرك الركعة .

4723 - قال أبو عمر : قاس إسحاق الإمام والمنفرد في القراءة على المأموم فأخطأ القياس ; لأن الإمام والمنفرد لا يحمل غيره عنه شيئا من صلاته ، ولا يقلب أحد عليه رتبة صلاته ، ولا يقلبها هو ; فتجزئ عنه .

4724 - وقال الثوري : إن قرأ في ركعة من الصبح ولم يقرأ في الأخرى أعاد الصلاة ، وإن قرأ في ركعة من الظهر أو العصر أو العشاء ، ولم يقرأ في الثلاث - أعاد .

4725 - وروي عن الحسن البصري أنه قال : إذا قرأت في ركعة واحدة من الصلاة أجزأك ، وقال به أكثر فقهاء البصرة .

4726 - وقال المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي المدني : إذا قرأ بأم القرآن مرة [ ص: 199 ] واحدة في الصلاة أجزته ، ولم تكن عليه إعادة ; لأنها صلاة قد قرأ فيها بأم القرآن ، فهي تمام ، ليست بخداج .

4727 - وقد روي عن مالك قول شاذ لا يعرفه أصحابه ، وينكره أهل العلم به - أن الصلاة تجزئ بغير قراءة على ما روي عن عمر . وهي عن مالك رواية منكرة ، والصحيح عنه خلافها ، وقد ذكرنا ذلك عنه .

4728 - وقال الشافعي : عليه أن يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب ، لا تجزئ الركعة إلا بها .

4729 - قال : وكما لا ينوب سجود ركعة ولا ركوعها عن ركعة أخرى - فكذلك لا تنوب قراءة ركعة عن غيرها .

4730 - وهو ظاهر قول جابر . وبه قال عبد الله بن عون ، وأيوب السختياني ، وأبو ثور ، وداود ، وروي مثله عن الأوزاعي .

4731 - قال أبو عمر : قد أوضحنا الحجة في وجوب قراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة من طريق النظر والأثر في كتاب التمهيد .

4732 - وأما من أجاز القراءة بغيرها فمحجوج بحديث هذا الباب ، وبقوله عليه السلام : " لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب " .

[ ص: 200 ] 4733 - ولا معنى لقول من قال : يأتي بعدد حروفها وآياتها ; لأن التعيين لها والنص عليها قد خصها بهذا الحكم دون غيرها ، ومحال أن يجيء بالبدل منها من وجبت عليه فتركها وهو قادر عليها ، وإنما عليه أن يجيء بها وبعدد آياتها كسائر المفروضات المعينات في العبادات .

4734 - وأما قوله في هذا الحديث : قال - تعالى - : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ; فنصفها لي ، ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل " . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اقرؤوا ; يقول العبد : الحمد لله رب العالمين " ، فبدأ بالحمد لله رب العالمين ولم يقل : بسم الله الرحمن الرحيم ; فهذا أوضح شيء وأبينه أن " بسم الله الرحمن الرحيم " ليست آية من فاتحة الكتاب ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدأ ب " الحمد لله رب العالمين " ; فجعلها آية ، ثم " الرحمن الرحيم " آية ، ثم " مالك يوم الدين " آية .

4735 - فهذه ثلاث آيات لم يختلف فيها المسلمون ، وجاء في هذا الحديث أنها له تبارك اسمه ، ثم الآية الرابعة جعلها بينه وبين عبده ، ثم ثلاث آيات لعبده تتمة سبع آيات .

4736 - فهذا يدل على أن " أنعمت عليهم " آية ، ثم الآية السابعة إلى آخر السورة .

4737 - وهكذا تكون نصفين بين العبد وبين ربه ; لأنه قال في قوله " اهدنا الصراط المستقيم " إلى آخر السورة - : فهؤلاء لعبدي ، ولعبدي ما سأل .

[ ص: 201 ] 4738 - وهؤلاء إشارة إلى جماعة من يعقل وما لا يعقل ، وأقل الجماعة ثلاثة .

4739 - فعلمنا بقوله : هؤلاء أنه أراد هؤلاء الآيات ، والآيات أقلها ثلاث ; لأنه لو أراد اثنتين لقال : هاتان ، ولو أراد واحدة لقال : هذه بيني وبين عبدي .

4740 - وإذا كان من قوله : " اهدنا " إلى آخر السورة - ثلاث آيات ; كانت السبع آيات من قوله : " الحمد لله رب العالمين " إلى قوله : " ولا الضالين " ، وصحت قسمة السبع على السواء : ثلاث وثلاث ، وآية بينهما .

4741 - قال في الأولى : " حمدني عبدي " ، وفي الثانية : " أثنى علي عبدي " ، وفي الثالثة : " مجدني عبدي " ، وفي الرابعة : " هذه بيني وبين عبدي " ، ثم قال في قوله : " اهدنا الصراط المستقيم " إلى آخر السورة - : " هؤلاء لعبدي ، ولعبدي ما سأل " .

4742 - فلما قال : هؤلاء علمنا أنها ثلاث آيات ، وتقدمت أربعة تتمة سبع آيات ، ليس فيها " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وقد أجمعت الأمة أن فاتحة الكتاب سبع آيات .

4743 - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هي السبع المثاني " .

[ ص: 202 ] 4744 - وأجمع القراء والفقهاء على أنها سبع آيات ، إلا أنهم اختلفوا : فمن جعل " بسم الله الرحمن الرحيم " آية من فاتحة الكتاب - لم يعد " أنعمت عليهم " آية ، ومن لم يجعل " بسم الله الرحمن الرحيم " آية - عد " أنعمت عليهم " آية . وهو عدد أهل المدينة وأهل الشام وأهل البصرة .

4745 - وأما أهل مكة وأهل الكوفة من القراء والفقهاء - فإنهم عدوا فيها " بسم الله الرحمن الرحيم " آية ، ولم يعدوا " أنعمت عليهم " .

4746 - وهذا الحديث أبين ما يروى عن النبي - عليه السلام - في سقوط " بسم الله الرحمن الرحيم " من آي فاتحة الكتاب ، وهو قاطع لموضع الخلاف .

4747 - فإن قيل : كيف تكون قسمة الصلاة عبارة عن السورة ، وهو يقول : " قسمت الصلاة " ، ولم يقل : قسمت السورة ؟ .

4748 - قيل : معلوم أن القراءة يعبر بها عن الصلاة ، كما قال : " وقرآن الفجر " [ الإسراء : 78 ] ; أي قراءة صلاة الفجر ، فجائز أن يعبر أيضا بالصلاة عن القراءة والقرآن .

4749 - ومن حجة من قال : إن " بسم الله الرحمن الرحيم " ليست آية من فاتحة الكتاب ، ولا من غيرها إلا في سورة النمل في قوله - تعالى - : " إنه من سليمان [ ص: 203 ] وإنه بسم الله الرحمن الرحيم " [ النمل : 30 ] - قوله ، تعالى ، : " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " [ النساء : 82 ] ، والاختلاف موجود في " بسم الله الرحمن الرحيم " ; فعلمنا أنها ليست من كتاب الله ; لأنه تعالى قد نفى الاختلاف عن كتابه بما تلونا ، وبقوله تعالى : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " [ الحجر : 9 ] .

4750 - ومن جهة الأثر ما ثبت عن النبي - عليه السلام - ، وعن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان - أنهم كانوا يفتتحون القراءة ب " الحمد لله رب العالمين " .

4751 - وروي في هذا الحديث عن أنس قال : " صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وخلف أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي - فكانوا يستفتحون القراءة ب " الحمد لله رب العالمين " .

4752 - ومن رواة هذا الحديث من يقول فيه : فكانوا لا يقرؤون " بسم الله الرحمن الرحيم " .

4753 - وقالت عائشة : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفتتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة ب " الحمد لله رب العالمين " .

4754 - وقال أبو نعامة ، قيس بن عباية الحنفي ، عن ابن عبد الله بن مغفل ، [ ص: 204 ] قال : " سمعني أبي وأنا أقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ; فقال لي : يا بني ، إياك والحدث ; فإني صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأبي بكر ، وعمر ، فلم أسمع منهم أحدا يقولها ، فإذا قرأت فقل : " الحمد لله رب العالمين " .

4755 - وقد ذكرنا هذه الآثار من طرق بأسانيدها في التمهيد .

4756 - فهذه الآثار التي احتج بها من كره قراءة " بسم الله الرحمن الرحيم " في الصلاة ، ومن أبى من أن يعدها آية من فاتحة الكتاب ، وهي أحاديث حسان رواها العلماء المعروفون ، إلا حديث ابن مغفل ; فإنه حديث ضعيف ; لأنه لم يعرف ابن عبد الله بن مغفل .

4756 م - وللعلماء في " بسم الله الرحمن الرحيم " أقاويل :

[ ص: 205 ] 4757 - فجملة مذهب مالك وأصحابه أنها ليست عندهم آية من فاتحة الكتاب ولا من غيرها من سور القرآن إلا في سورة النمل ، وأنه لا يقرأ بها المصلي في المكتوبة في فاتحة الكتاب ولا في غيرها سرا ولا جهرا .

4758 - قال مالك : ولا بأس أن يقرأ بها في النافلة ، ومن يعرض القرآن عرضا .

4759 - هذا هو المشهور من مذهب مالك عند أصحابه ، وعليه يناظر المالكيون من خالفهم .

4760 - وقد ذكر إسماعيل القاضي عن أبي ثابت ، عن ابن نافع ، عن مالك أنه قال : لا يقرأ ب " بسم الله الرحمن الرحيم " في الفريضة والنافلة .

4761 - هكذا وجدته في نسخة صحيحة من المبسوط عن أبي ثابت عن ابن نافع عن مالك ، وإنما هو محفوظ لابن نافع .

4762 - وروى يحيى بن يحيى عن ابن نافع ، قال : لا أرى أن يتركها في فريضة ولا نافلة ، وهو قول الشافعي .

4763 - قال أبو عمر : للشافعي في " بسم الله الرحمن الرحيم " قولان :

4764 - ( أحدهما ) : أنها الآية الأولى من فاتحة الكتاب دون غيرها من السور التي أثبتت في أوائلها .

4765 - ( والقول الآخر ) : هي آية من أول كل سورة .

4766 - وكذلك اختلف أصحابه على القولين جميعا ، والأول أشهر القولين عنه .

[ ص: 206 ] 4767 - وقال عمرو بن هاشم : صليت خلف الليث بن سعد فكان يجهر ب " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وبآمين .

4768 - وروى الليث عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن نعيم بن عبد الله المجمر ، قال : " صليت خلف أبي هريرة ، فقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " قبل أم القرآن وقبل السورة ، وكبر في الخفض والرفع ، وقال : أنا أشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

4769 - وقال أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو ثور ، وأبو عبيد - : هي آية من فاتحة الكتاب .

4770 - حدثنا عبيد بن محمد ، حدثنا الحسن بن سلمة ، حدثنا ابن الجارود ، حدثنا إسحاق بن منصور ، قال : قلت لإسحاق بن راهويه : رجل صلى صلوات فلم يقرأ فيها " بسم الله الرحمن الرحيم " مع " الحمد لله رب العالمين " ، قال : يعيد الصلوات كلها .

4771 - قال أبو عمر : هذا قول كل من جعلها الآية الأولى من فاتحة الكتاب ، وأوجب قراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة .

4772 - وأما أصحاب أبي حنيفة فزعموا أنهم لا يحفظون عنه هل هي آية من فاتحة الكتاب أم لا .

[ ص: 207 ] 4773 - ومذهبه أنه يسر بها في الجهر والسر .

4774 - وقال داود : هي آية من القرآن في كل موضع وقعت فيه ، وليست هي من السورة ، وإنما هي آية مفردة غير ملحقة بالسور .

4775 - وزعم الرازي أبو بكر أن مذهب أبي حنيفة هكذا .

4776 - وقال عطاء : هي آية من أم القرآن .

4777 - واتفق أبو حنيفة والثوري على أن الإمام يقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " في أول فاتحة الكتاب سرا ، ويخفيها في صلاة الجهر وغيرها ، يخصها بذلك .

4778 - وروي مثل ذلك عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وعمار ، وابن الزبير .

4779 - وهو قول الحكم وحماد .

4780 - وبه قال أحمد بن حنبل وأبو عبيد .

4781 - وروي عن الأوزاعي مثل ذلك .

[ ص: 208 ] 4782 - وروي أيضا عن الأوزاعي أنه لا يقرؤها في المكتوبة سرا ولا جهرا ، ولا هي آية من فاتحة الكتاب .

4783 - وهو قول الطبري .

4784 - وقال الشافعي : يجهر بها في صلاة الجهر ; لأنها أول آية من فاتحة الكتاب .

4785 - وبه قال داود على اختلاف عنه ، وكذلك اختلف أصحابه .

4786 - وروي قول الشافعي عن ابن عمر ، وابن عباس ، وطاوس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وعمرو بن دينار ، لم يختلف عن واحد من هؤلاء في ذلك ، واختلف فيه عن عمر وابن الزبير .

4787 - حدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا عبدان ، حدثنا الحسين بن يحيى وأبو الأشعث ، قالا : حدثنا المعتمر عن إسماعيل بن حماد ، عن أبي خالد ، عن ابن عباس : " أن النبي - عليه السلام - كان يجهر [ ص: 209 ] ب " بسم الله الرحمن الرحيم " .

[ ص: 210 ] 4788 - حدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر ، حدثنا حفص بن غياث ، عن ابن جريج ، عن ابن مليكة ، عن أم سلمة ، قالت : " كان النبي - عليه السلام - يقرأ : " بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين " .

4789 - أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد الأموي ، قال حدثنا ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة ، عن أم سلمة أنها سئلت عن قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت : كان يقطعها آية آية : " بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين " .

4790 - قال أبو عمر : أما من قرأ بها سرا في صلاة السر ، وجهر بها في صلاة الجهر - فحجته أنها أول آية من فاتحة الكتاب ، والمناظرة بينه وبين من خالفه في ذلك .

4791 - وأما من أسر بها في الجهر والسر فإنما مال إلى الأثر ، وقرأها من جهة الحكم بخبر الواحد الموجب للعمل دون العلم .

4792 - واحتجوا من الأثر في ذلك بما رواه منصور بن زاذان عن أنس بن مالك ، قال : " صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يسمعنا قراءة ( بسم الله الرحمن [ ص: 211 ] الرحيم " .

4793 - وبما رواه عمار بن زريق عن الأعمش ، عن شعبة ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : " صليت خلف النبي - عليه السلام - ، وخلف أبي بكر وعمر ، فلم أسمع أحدا منهم يجهر ب " بسم الله الرحمن الرحيم " " .

4794 - وقد روي عن شعبة وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة ، عن أنس - مثل ذلك .

[ ص: 212 ] 4795 - وكذلك رواه هشام الدستوائي عن قتادة ، عن أنس .

4796 - وقد ذكرنا هذه الأحاديث بأسانيدها وطرقها في كتاب " الإنصاف فيما بين المختلفين في " بسم الله الرحمن الرحيم " من الخلاف " ، وفيها " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجهر بها " .

4797 - وفي ذلك دليل على أنه كان يخفيها .

4798 - فقال بهذا من رأى أن يخفيها ، ورووا عن علي " أنه كان لا يجهر ب " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وكان يجهر ب " الحمد لله رب العالمين " .

4799 - وروى الثوري عن عبد الملك بن أبي بشير ، عن عكرمة ، عن ابن [ ص: 213 ] عباس ، قال : " الجهر ب " بسم الله الرحمن الرحيم " قراءة الأعراب .

4800 - حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، ومحمد بن عبد الله بن حكم ، قالا : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أبو خليفة ، الفضل بن الحباب ، قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، قال : حدثنا عاصم بن كليب ، عن أبيه أن عليا - رضي الله عنه - كان لا يجهر ب " بسم الله الرحمن الرحيم " .

4801 - قال : وحدثنا أبو الوليد ، قال : حدثنا قيس عن الشعبي ، عن الحارث ، عن علي أنه كان لا يجهر ب " بسم الله الرحمن الرحيم " .

4802 - وروى منصور وحماد ومغيرة عن إبراهيم أنه قال : أربع يخفيهن الإمام ، ويقولها سرا : الاستعاذة ، و " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وآمين ، وربنا لك الحمد .

4803 - وروى الكوفيون عن عمرو بن مسعود مثل ذلك بأسانيد ليست بالقوية .

4804 - وكان إبراهيم النخعي يقول : الجهر ب " بسم الله الرحمن الرحيم " بدعة .

4805 - وقد ذكرنا هذا الوجه ، وزدناه بيانا في كتابنا : كتاب الإنصاف . والحمد لله .

[ ص: 214 ] 4806 - وقد تقول بعض العلماء . . . " بدعة " ، فيما هو عند مخالفة سنة .

4807 - وأما الذين أثبتوها آية في أول فاتحة الكتاب ، وفي أول كل سورة - فإنهم قالوا : إن المصحف لم يثبت الصحابة فيه ما ليس من القرآن ; لأنه محال أن يضيفوا إلى كتاب الله من الذكر ما ليس منه ، ويكتبوه بالمداد كما كتبوا القرآن .

4808 - هذا ما لا يجوز لأحد أن يضيفه إليهم .

4809 - ألا ترى أن الذين رأوا الشكل فيه كرهوه ، وقالوا : نمشتم المصحف ، كيف يضيفون إليه ما ليس منه ؟ .

4810 - واحتجوا من الأثر بما رواه سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : " كان النبي - عليه السلام - لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه " بسم الله الرحمن الرحيم " . ذكره أبو داود .

4811 - حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ابن عيينة ، وكذلك رواه الحميدي ، وعلي بن المدني ، وابن أبي عمر ، وغيرهم ، عن ابن عيينة ، وبما رواه محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل ، عن أنس ، قال : " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : أنزلت علي سورة ، فقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر " [ سورة [ ص: 215 ] الكوثر : 1 ] حتى ختمها ، ثم قال : أتدرون ما الكوثر ؟ نهر في الجنة وعدنيه ربي .

4812 - روى ابن جريج عن ابن أبي مليكة ، عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ بأم القرآن بدأ ب " بسم الله الرحمن الرحيم " ، فعدها آية ، ثم قرأ " الحمد لله " فعدها ست آيات .

4813 - وروى ابن جريج ، قال : حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أنس بن مالك ، قال : " صلى معاوية للناس بالمدينة العتمة ، فلم يقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ولم يكبر بعض التكبير الذي يكبر الناس ، فلما انصرف ناداه من سمع ذلك من المهاجرين والأنصار ، فقالوا : يا معاوية ، أسرقت الصلاة أم نسيت ؟ . أين " بسم الله الرحمن الرحيم " ، والله أكبر حين تهوي ساجدا ؟ . فلم يعد معاوية لذلك بعد " .

[ ص: 216 ] [ ص: 217 ] 4814 - ذكره الشافعي عن عبد المجيد بن عبد العزيز ، وعن ابن جريج ، وذكره عبد الرزاق عن ابن جريج ، فلم يذكر أنس بن مالك .

4815 - وعبد المجيد أيضا أقعد من ابن جريج وأضبط لحديثه من عبد الرزاق .

[ ص: 218 ] 4816 - وذكر عباس الدوري عن يحيى بن معين أنه سئل عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، فقال : ثقة ، كان أعلم الناس بحديث ابن جريج ، وكان أصحابه يصلحون كتبهم بكتابه .

4817 - قال عبد الرزاق : وأخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني أبي ، أخبرنا سعيد بن جبير أن ابن عباس قال في قوله : " ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم " [ الحجر : 87 ] - قال : أم القرآن .

4818 - قال : وقرأها علي سعيد كما قرأتها عليك ، ثم قال : " بسم الله الرحمن الرحيم " الآية السابقة .

4819 - قال عبد الرزاق : فقرأ علي ابن جريج " بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين " إلى " ولا الضالين " سبع آيات .

4820 - وكذلك رواه جماعة أصحاب ابن جريج عنه ، كما رواه عبد الرزاق .

4821 - وقد ذكرنا آثار هذا الباب كلها بأسانيدها وطرقها في " التمهيد " ، وكتاب " الإنصاف " .

4822 - وذكرنا عن ابن عباس ، وابن عمر ، وأبي هريرة - أنهم كانوا يقرءون " بسم الله الرحمن الرحيم " في افتتاح الصلاة ب " الحمد لله رب العالمين " من طرق ثابتة مذكورة في " التمهيد " ، وفي كتاب " الإنصاف " .

[ ص: 219 ] 4823 - وعن ابن عمر وعطاء أنهما كانا لا يتركان " بسم الله الرحمن الرحيم " ، يستفتحان بها لأم القرآن ، وللسورة التي بعدها في المكتوبة والتطوع .

4824 - وعن يحيى بن جعدة قال : " اختلس الشيطان آية " بسم الله الرحمن الرحيم " من الأئمة " .

4825 - وروى عبد العزيز بن حسين عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس قال : " سرق الشيطان من أئمة المسلمين آية من فاتحة الكتاب ، أو قال : من كتاب الله " بسم الله الرحمن الرحيم " .

4826 - قال ابن عباس : نسيها الناس كما نسوا التكبير في الصلاة ، والله ما كنا نقضي السورة حتى ينزل " بسم الله الرحمن الرحيم " .

4827 - قال أبو عمر : عبد العزيز بن حصين وإن كان ضعيفا فإنه لم يأت في حديثه هذا إلا بما جاء به الثقات .

4828 - وذكر معمر عن الزهري أنه كان يفتح ب " بسم الله الرحمن الرحيم " ويقول : هي آية من فاتحة الكتاب تركها الناس .

4829 - وقال مجاهد : " نسي الناس " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وهذا [ ص: 220 ] التكبير " . وإسناده في التمهيد .

4830 - قال أبو عمر : في قول ابن عباس ، ويحيى بن جعدة ، ومجاهد ، وابن شهاب - دليل على أن العمل كان عندهم ترك " بسم الله الرحمن الرحيم " .

4831 - فهذا من جهة العمل .

4832 - وأما من جهة الأثر فحديث العلاء المذكور في هذا الباب عن السائب عن أبي هريرة عن النبي - عليه السلام - " اقرءوا ; يقول العبد : الحمد لله رب العالمين " الحديث ، " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي " على حسب ما بينا فيما مضى من هذا الباب مع سائر الآثار التي أوردنا فيه من حديث أنس وعبد الله بن مغفل أن النبي - عليه السلام - ، وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان - كانوا لا يقرءون " بسم الله الرحمن الرحيم " .

4833 - وإن كانت معلولة ففيها استظهار على ما جرى عليه العمل بالمدينة ، على أن الخلاف بالمدينة في هذه المسألة موجود قديما وحديثا .

4834 - ولم يختلف أهل مكة في أن " بسم الله الرحمن الرحيم " أول آية من فاتحة الكتاب .

4835 - وقد أفردنا في " بسم الله الرحمن الرحيم " كتابا جمعنا فيه الآثار وأقوال أئمة الأمصار لكل فريق منهم ، سميناه بكتاب " الإنصاف فيما بين المختلفين في " بسم الله الرحمن الرحيم " من الخلاف " ، يستغني الناظر فيه - إن شاء الله - .

4836 - قال أبو عمر : قد اعترض أصحاب الشافعي على من احتج على [ ص: 221 ] سقوط " بسم الله الرحمن الرحيم " بقول الله - تعالى - : " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " [ سورة النساء : 82 ] ، والاختلاف في " بسم الله الرحمن الرحيم " موجود - وبقوله " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " [ الحجر : 9 ] ; فقالوا : المعنى في هذه الآية ما عليه العمل في تأويلها بأنه حق كله ، لا يوجد فيه باطل وحق ، وما عداه من كلام الناس فيه الحق والباطل .

4837 - قالوا : والدليل على صحة ذلك وجود الاختلاف فيه عند الجميع في القراءات ، وفي الأحكام ، وفي الناسخ والمنسوخ ، وفي التفسير ، وفي الإعراب والمعاني ، وهذا لا مدفع فيه .

4838 - وأما قوله تعالى : " وإنا له لحافظون " ففيه قولان لا ثالث لهما :

4839 - ( أحدهما ) : إنا له لحافظون عندنا . قاله مجاهد وغيره .

4840 - ( والثاني ) : وإنا له لحافظون من أن يزيد فيه إبليس أو غيره ، أو ينقص . . . إن الهاء في قوله : " لحافظون " كناية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; أي لحافظون له من كل من أراده بسوء من أعدائه .

التالي السابق


الخدمات العلمية