الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1486 [ ص: 348 ] 40 - باب القضاء في الضوال

1457 - مالك عن يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار ; أن ثابت بن الضحاك الأنصاري أخبره أنه وجد بعيرا بالحرة ، فعقله ، ثم ذكره لعمر بن الخطاب ، فأمره عمر أن يعرفه ثلاث مرات ، فقال له ثابت : إنه قد شغلني عن ضيعتي ، فقال له عمر : أرسله حيث وجدته .

1458 - مالك عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ; أن عمر [ ص: 349 ] بن الخطاب قال ، وهو مسند ظهره ، إلى الكعبة : من أخذ ضالة فهو ضال .

1459 - مالك ; أنه سمع ابن شهاب يقول : كانت ضوال الإبل في زمان عمر بن الخطاب إبلا مؤبلة ، تناتج ، لا يمسها أحد ، حتى إذا كان زمان عثمان بن عفان ، أمر بتعريفها . ثم تباع ، فإذا جاء صاحبها ، أعطي ثمنها .


33167 - قال أبو عمر : روى هذا الخبر سفيان بن عيينة ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، قال : كانت ضوال الإبل في زمن عمر بن الخطاب تناتج هملا لا يعرف لها أحد ، فلما كان عثمان وضع عليها ميسم الصدقة .

وهو في الموطأ لمالك ، عن ابن شهاب لم يتجاوز به ابن شهاب ، ولم يذكر سعيد بن المسيب ، وسياقة مالك له عن ابن شهاب أتم معنى ، وأحسن لفظا .

33168 - قال أبو عمر : في المدونة عن مالك ، وابن القاسم ، وأشهب : إذا كان الإمام عدلا أخذت الإبل ، ودفعت إليه ليعرفها ، فإن جاء صاحبها ، وإلا ردها إلى المكان الذي وجدها فيه .

33169 - قال ابن القاسم : هذا رأي على ما روي عن عمر ذلك .

[ ص: 350 ] 33170 - وقال أشهب : إن لم يأت ربها باعها ، وأمسك ثمنها; على ما جاء عن عثمان .

33171 - قالوا : وإن كان الإمام غير عدل لم تؤخذ ضالة الإبل ، وتركت في مكانها .

33172 - وأما ضالة البقر ، فقال ابن القاسم : إن كانت بموضع يخاف عليها ، فهي بمنزلة الشاة ، وإن كان لا يخاف عليها ، فهي بمنزلة البعير .

33173 - وروى ابن وهب ، عن مالك مثل ذلك .

33174 - وقال أشهب : إن كان لها من أنفسها منعة في المرعى كالإبل ، فهي كالإبل ، وإن لم تكن فهي كالغنم .

33175 - وقال الشافعي : ليس البقر ، والإبل كالغنم ; لأن الغنم لا تدفع عن نفسها ، والإبل والبقر تدفع عن أنفسها ، وتردان المياه ، وإن تباعدت ، وتعيشان في المرعى ، والمشرب بلا راع ، فليس لأحد أن يعرض لواحدة منها .

33176 - قال : والخيل ، والبغال ، والحمير كالبعير ; لأن كلها قوي ممتنع من صغار السباع بعيد الأثر في الأرض كالظبي ، والأرنب ، والطير المنعتة بالاحتيال والسرعة .

33177 - وقال في موضع آخر : جاء النص في الإبل ، والبقر قياسا عليها .

33178 - قال أبو عمر : ذهب مالك ، والشافعي في ضوال الإبل إلى قول عمر بن الخطاب إن البعير لا يؤخذ ، ويترك حيث وجد .

[ ص: 351 ] 33179 - وبه قال الأوزاعي ، والليث بن سعد .

33180 - وأما الكوفيون ، فلم يقولوا بما روي عن عمر في الضوال .

33181 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : سواء كانت اللقطة بعيرا ، أو شاة ، أو بقرة ، أو حمارا ، أو بغلا ، أو فرسا يأخذ ذلك الواجد له ، ويعرفه ، وينفق عليه ، فإن جاء صاحبه ، فاستحقه ، كان متبرعا بما أنفق ، إلا أن يكون أنفق بأمر القاضي ، فيكون ما أنفق على الضالة دينا في رقبتها ، فإن جاء صاحبها ، دفع ذلك إليه ، وإلا بيعت له ، وأخذ نفقته من ثمنها ، فإن رأى القاضي قبل مجيء صاحبها الأمر ببيعها ; لما رآه في ذلك من الصلاح لصاحبها أمر ببيعها ، ويحفظ ثمنها على صاحبها ، وإن كان غلاما أجره القاضي وأنفق عليه من أجرته ، وأن ذلك في الدابة أيضا فعله .

33182 - قالوا : ومن وجد بعيرا ضالا ، فالأفضل له أخذه ، وتعريفه ، وألا يتركه ، فيكون سببا لضياعه وقد ذكرنا حجتهم في ذلك فيما تقدم ، والحمد لله كثيرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية