الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
33410 - قال مالك : في الرجل يوصي بثلث ماله لرجل ، ويقول : غلامي يخدم فلانا ما عاش ، ثم هو حر ، فينظر في ذلك ، فيوجد العبد ثلث مال الميت ، قال : فإن خدمة العبد تقوم ، ثم يتحاصان ، يحاص الذي أوصي له بالثلث بثلثه ، ويحاص الذي أوصي له بخدمة العبد بما قوم له من خدمة العبد ، فيأخذ كل واحد منهما من خدمة العبد ، أو من إجارته ، إن كانت له إجارة ، بقدر حصته ، فإذا مات الذي جعلت له خدمة العبد ما عاش ، عتق العبد .


33411 - قال أبو عمر : قد تقدم القول فيما زاد من الوصايا على الثلث أن ذلك موقوف عند جمهور العلماء على إجازة الورثة ، وقد ذكرنا الخلاف في ذلك .

33412 - وأما الوصية بخدمة العبد ، وغلة البساتين ، وسكنى المساكين ، فقد اختلف الفقهاء في ذلك :

33413 - فقال مالك ، والثوري ، والليث ، وعثمان البتي ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وسوار ، وعبد الله ، وعبيد الله ابنا الحسن قاضيا البصرة : الوصية بسكنى الدار ، وغلة البساتين فيما يستأذن ، وخدمة العبد جائزة إذا كانت الثلث ، أو أقل . [ ص: 46 ] وكذلك ما زاد على الثلث من ذلك إذا أجازه الورثة .

33414 - وقال ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة : الوصية بكل ذلك باطل غير جائزة .

33415 - وبه قال داود ، وأهل الظاهر; لأن ذلك منافع طارئة على ملك الوارث ، لم يملكها الميت قبل موته .

33416 - وقد أجمعوا أنه لو أوصى بشيء ومات ، وهو في غير ملكه أن الوصية باطل .

33417 - والوصية بالمنافع كذلك; لأنه قد مات ، وهي في غير ملكه ، فإن شبه على أحد أن الإجارة يملك المؤاجر بها البدل من منافعها ، وإن لم تكن في ملكه ، فليس كذلك; لأن المؤاجر على ملكه كل ما يطرأ من المنافع ما دام الأصل في ملكه ، وكان حيا ، وليس الميت بمالك لشيء من ذلك; لأن المنافع طارئة على ملك الورثة .

33418 - وأما الأوقاف ، فإن السنة أجازتها بخروج ملك أصلها عن الموقف إلى الله عز وجل ليتحرى عليها فيما يقرب منه ، وليست المنافع فيها طارئة على ملك الموقف ، لأنه مستحيل أن يملك الميت شيئا .

33419 - وقد قال : بعضهم إن أصول الأوقاف على ملك الموقف; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( ينقطع عمل المرء بعده إلا من ثلاث ) ) فذكر منها صدقة يجري [ ص: 47 ] عليه نفعها ) ) .

33420 - وهذا ليس بشيء ; لأن الثواب ، والأجر الذي يناله الميت فيما يوقفه من أصول ماله إنما كان; لأن أصله خرج عن ملكه إلى الله تعالى ، فبذلك استحق الأجر كمن سن سنة حسنة ، فعمل بها غيره .

33421 - أخبرنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثني محمد بن عبد السلام ، قال : حدثنا محمد بن أبي عمرو ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : قال ابن شبرمة ، وابن ليلى : من أوصى بفرع شيء ولم يوص بأصله ، فليس بشيء . 33422 - قال أبو عمر : قول ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، ومن تابعهما قول صحيح في النظر والقياس ، وإن كان على خلافه أكثر الناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية