الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1498 [ ص: 59 ] ( 6 ) باب ما جاء في المؤنث من الرجال

ومن أحق بالولد

1469 - مالك عن هشام بن عروة ، عن أبيه; أن مخنثا كان عند أم سلمة ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لعبد الله بن أبي أمية ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 60 ] يسمع : يا عبد الله ، إن فتح الله عليكم الطائف غدا ، فأنا أدلك على ابنة غيلان ، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ( لا يدخلن هؤلاء عليكم ) ) .


33469 - قال أبو عمر : هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة ( ( الموطأ ) ) عن مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه مرسلا ، إلا سعد بن أبي مريم ، فإنه رواه عن مالك ، عن هشام ، عن أبيه ، عن أم سلمة .

33470 - ولم يسمعه عروة من أم سلمة ; لأن ابن عيينة وغيره رووه عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب بنت أبي سلمة ، عن أمها أم سلمة .

33471 - وهذا أصح أسانيده عندي ، وقد ذكرته في ( ( التمهيد ) ) .

[ ص: 61 ] 33472 - ورواه معمر ، عن الزهري ، وهشام بن عروة ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : كان يدخل على بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث ، فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما ، وهو عند بعض نسائه ، وهو ينعت امرأة ، فقال : إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع ، وإذا أدبرت أدبرت بثمان . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( ألا أرى هذا يعلم ما هاهنا ، لا يدخلن هذا عليكن ) ) فحجبوه .

33473 - قال أبو عمر : إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يدخلن عليكم هذا ، ولم يقل عليكن; لأنه خاطب الرجال ألا يدخل بيوتهم على نسائهم ، فحجبوه .

33474 - فهكذا رواية مالك وغيره : ( ( عليكم ) ) ، وقد روي : ( ( لا يدخلن هذا عليكن ) ) مخاطبة منه لنسائه ، والله أعلم .

33475 - حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى ، قال : حدثني محمد بن أحمد قال : حدثني يحيى بن محمد بن زياد ، قال : حدثني أحمد بن عبد الجبار ، قال : [ ص: 62 ] حدثني يونس بن بكير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب بنت أم سلمة ، عن أم سلمة ، قالت : كان عندي مخنث ، فقال لعبد الله أخي : إن فتح الله عليكم الطائف غدا ، فإني أدلك على ابنة غيلان ، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان ، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فقال : ( ( لا يدخلن هؤلاء عليكم ) ) .

33476 - وبه عن يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، قال : وقد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مولى لخالته ، فاختة ابنة عمرو بن عائذ مخنث ، يقال له : ماتع ، يدخل على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكون في بيته ، ولا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يفطن بشيء من أمر النساء مما يفطن إليه الرجال ، ولا يرى أن له في ذلك إربا ، فسمعه يقول لخالد بن الوليد : يا خالد ، إن فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف ، فلا ينفلتن منكم بادية ابنة غيلان بن سلمة ، فإنها تقبل بأربع ، وتدبر بثمان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمعها منه : ( ( لا أرى هذا الخبيث يفطن لما أسمع ) ) ثم قال : لنسائه : ( ( لا يدخلن عليكن ) ) ، فحجب عن بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

33477 - هكذا قال ابن إسحاق في هذا المؤنث أن اسمه ماتع ، ولم يقله غيره فيما علمت ، والأكثر على أن اسمه ( ( هيت ) ) .

33478 - كذلك ذكر حبيب عن مالك ، وكذلك رواه ابن عيينة ، عن [ ص: 63 ] ابن جريج أن اسم ذلك المخنث هيت ، وهو قول الواقدي ، وابن الكلبي .

33479 - وقال ابن إسحاق : وقد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مولى خالته ، فاختة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم المخزومي .

33480 - وقال ابن الكلبي : كان هيت المخنث مولى لعبد الله بن أمية أخي أم سلمة ، قال : وكان طويس مولى عبد الله بن أبي أمية أيضا .

33481 - وقال ابن إسحاق : فقال لخالد بن الوليد ، وقالوا كلهم : فقال لعبد الله بن أبي أمية .

33482 - كذلك في الحديث المسند ، وهو الصواب ، وهو قول ابن إسحاق ، وغيره ، استشهد يوم الطائف عبد الله بن أبى أمية أخو أم سلمة .

33483 - وفي رواية ابن الكلبي ، والواقدي أن هيتا هذا المخنث قال لعبد الله بن أبي أمية ، وهو أخو أم سلمة لأبيها ، وأمه عاتكة : يا عبد الله - وهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أم سلمة - : إن افتتحتم الطائف ، فعليك ببادية بنت غيلان بن سلمة الثقفي فإنها تقبل بأربع ، وتدبر بثمان مع ثغر كالأقحوان إن قعدت تثنت ، وإن تكلمت تغنت بين رجليها مثل الإناء المكفو ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( لقد غلغلت النظر إليها يا عدو الله ) ) ، ثم أجلاه عن المدينة إلى الحمى . قال : فلما افتتحت الطائف تزوجها عبد الرحمن بن عوف ، فولدت له بريهة .

[ ص: 64 ] 33484 - هذا قول ابن الكلبي ، قال : ولم يزل هيت بذلك المكان حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما ولي أبو بكر كلم فيه ، فأبى أن يرده ، فلما ولي عمر كلم فيه ، وقيل : إنه قد كبر ، وضعف ، واحتاج ، فأذن له أن يدخل كل جمعة ، فيسأل الناس ، ثم يرجع إلى مكانه .

33485 - وأما قوله : تقبل بأربع وتدبر بثمان ، فقد فسره حبيب عن مالك ، وذكر غيره بأكثر من ذلك من معناه بما نذكره هاهنا أن المرأة وصفها المخنث بأنها امرأة لها في بطنها أربع عكن تبلغ خصرتها ، فتصير لها أربعة أطراف في كل خصر ، فتصير ثمانيا أربعا من هنا وأربعا من هنا ، فإذا أقبلت إليك واستقبلتها رأيت في بطنها أربع عكن ، فإذا أدبرت رأيت ثمانيا من جهة الأطراف في خصريها .

33486 - هكذا فسره كل من تكلم في هذا الحديث ، واستشهد بعضهم عليه بقول النابغة في قوائم ناقته :


على هضبات بينما هن أربع أنخن لتعريس فعدن ثمانيا



33487 - وقد روي خبر هذا المخنث من حديث سعد بن أبي وقاص بتمامه ، وقد ذكرناه في ( ( التمهيد ) ) .

33488 - وفي هذا الحديث من الفقه أنه لا يجوز دخول أحد من المخنثين ، وهم الذين يدعون عندنا المؤنثين على النساء ، وأنهم ليسوا من الذين قال الله فيهم : [ ص: 65 ] غير أولي الإربة من الرجال [ النور : 31 ]

33489 - وهذه الصفة هو الأبله الأحمق العنين الذي لا إرب له في النساء ، ولا يفطن بشيء من معايبهن ، ومحاسنهن ، فمن كان بهذه الصفة لم يكن بدخوله على الناس بأس; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن بهيت المخنث أنه ممن هذه صفته ، فلما سمع منه ما سمع أمر بأن لا يدخل على النساء ، ثم أخرجه من المدينة ، ونفاه عنها .

33490 - وهذا أصل في كل من يتأذى به ، ولا يقدر على الاحتراس منه أن ينفى إلى مكان يؤمن فيه منه الأذى .

33491 - قال أبو عمر : قد صحف قوم من الرواة اسم ابنة غيلان هذه ، والصواب فيه ( ( بادية ) ) بالباء والياء ، وهو مأخوذ من بدا يبدو أي ظهر ، فكأنها سميت ظاهرة .

33492 - هذا معنى ما ذكره الزبير وغيره ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية