الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1500 [ ص: 82 ] ( 8 ) باب جامع القضاء وكراهيته

1472 - مالك عن يحيى بن سعيد ; أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي : أن هلم إلى الأرض المقدسة ، فكتب إليه سلمان : إن الأرض لا [ ص: 83 ] تقدس أحدا ، وإنما يقدس الإنسان عمله ، وقد بلغني أنك جعلت طبيبا تداوي ، فإن كنت تبرئ فنعما لك ، وإن كنت متطببا فاحذر أن تقتل إنسانا فتدخل النار ، فكان أبو الدرداء ، إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه ، نظر إليهما ، وقال : ارجعا إلي ، أعيدا علي قصتكما . متطبب ، والله .


33564 م - قال أبو عمر : أما كراهة القضاء بين الناس ، فقد كرهه وفر منه جماعة من فضلاء العلماء ، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( من جعل قاضيا بين الناس ، فقد ذبح بغير سكين ) )

33565 - حدثناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثني محمد بن بكر ، قال : حدثني أبو داود ، قال : حدثني نصر بن علي ، قال : حدثني بشر بن عمر ، عن عبد الله بن جعفر ، عن عثمان بن محمد الأخنسي ، عن المقبري والأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ( من جعل قاضيا ، فقد ذبح بغير سكين ) ) .

[ ص: 84 ] 33566 - وقال : حدثني نصر بن علي قال : حدثني فضيل بن سليمان ، قال : حدثني عمرو بن أبي عمرو ، عن سعيد بن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ( من ولي القضاء ، فقد ذبح بغير سكين ) ) .

33567 - وقال : حدثناه محمد بن حسان السمتي ، حدثني خلف بن خليفة عن أبي هشام ، عن ابن بريدة عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ( القضاة ثلاثة : واحد في الجنة ، واثنان في النار ، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق ، فقضى به ، ورجل عرف الحق ، فجار في الحكم ، فهو في النار ، ورجل قضى للناس على جهل ، فهو في النار ) ) .

33568 - قال أبو عمر : قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا اجتهد الحاكم ، فأصاب ، فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ ، فله أجر ) ) .

[ ص: 85 ] 33569 - رواه عمرو بن العاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكرنا طرقه في [ ص: 86 ] كتاب العلم ، وذكرنا هناك ما للعلماء في تأويله .

33570 - وروي من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ( من طلب القضاء ، واستعان عليه وكل إليه ، ومن لم يطلبه ، ولم يستعن عليه أنزل الله إليه ملكا يسدده ) ) .

33571 - وقد ذكرنا إسناده في صدر هذا الكتاب .

33572 - ومعلوم أن الإثم إذا كان معظما في معنى كان الأجر معظما في ضده .

33573 - قال الله عز وجل : وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا [ الجن : 15 ] أي : الجائرون .

33574 - والجور : الميل عن الحق إلى الباطل ، وعن الإيمان إلى الكفر .

[ ص: 87 ] 33575 - قال الله عز وجل : ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب [ ص : 26 ] .

33576 - ومن جار عن الحق ، وأسرف في الظلم ، فقد نسي يوم الحساب .

33577 - وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في القاضي العادل الحاكم بالقسط من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره أنه قال : ( ( المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن ، وكلتا يديه يمين ) ) وقيل : القاسطون يا رسول الله ! قال : ( ( الذين يعدلون في أهليهم ، وفيما ولوا ) ) .

33578 - وقال صلى الله عليه وسلم : ( ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل . . ) ) وذكر سائر السبعة .

33579 - وسيأتي هذا الحديث في موضعه من كتاب الجامع إن شاء الله .

33580 - وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ( الإمام العادل لا ترد دعوته ) ) .

[ ص: 88 ] 33581 - أخبرنا عبد الوارث ، .

قال : حدثنا قاسم : قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا محمد بن قدامة ، قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن مصعب بن سعد ، قال علي - رضي الله عنه - : حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ، ويؤدي الأمانة ، فإذا فعل ذلك ، فحق على الناس أن يسمعوا له ، ويطيعوا ، ويجيبوا إذا دعوا .

33582 - قال : ومن ولي القضاء ، فليعدل في المجلس ، والكلام ، واللحظ .

33583 - وذكر أبو زيد - عمر بن شبة - قال : حدثنا هارون بن عمر ، قال : حدثنا ضمرة ، قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الله الكناني ، قال : قال علي - رضي الله عنه - : لا ينبغي للقاضي أن يكون قاضيا حتى تجتمع فيه خمس خصال : عفيف [ ص: 89 ] حليم ، عالم بما كان قبله ، مستشر لذوي الألباب ، لا يخاف في الله لومة لائم .

33584 - وروى الشعبي ، عن مسروق قال : لأن أقضي يوما واحدا بحق وعدل أحب إلي من أن أغزو سنة في سبيل الله .

33585 - وقال مالك : قال عمر بن عبد العزيز : لا ينبغي لأحد أن يقضي إلا أن يكون عالما بما مضى من السنة مستشيرا لذوي العلم .

33586 - والآثار في هذا الباب عن السلف كثيرة في معنى ما أوردناه ، وفيما [ ص: 90 ] ذكرنا تنبيه على ما إليه قصدنا ، ومن طلب العلم لله فالقليل يكفيه إذا عمل به .

33587 - وكان أبو الدرداء من الفقهاء العلماء الحكماء ، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيه : ( ( حكيم أمتي ) ) .

33588 - وقال فيه معاذ بن جبل : كان أبو الدرداء من الذين أوتوا العلم .

33589 - وقال أبو ذر : ما حملت غبراء ، ولا أظلت زرقاء أعلم منك يا أبا الدرداء .

[ ص: 91 ] 33590 - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آخى بينه وبين سلمان الفارسي ، فكانا متواخيين متحابين اجتمعا أو تفرقا .

33591 - وكان سلمان عالما فاضلا زاهدا في الدنيا .

33592 - ومات أبو الدرداء بدمشق قاضيا عليها لعثمان بعد عمر قبل موت عثمان بسنتين ، أو نحوهما .

33593 - ومات سلمان بالمدائن من أرض العراق .

[ ص: 92 ] 33594 - وحدثنا أبو القاسم - خلف بن قاسم - قراءة مني عليه ، قال : حدثني أبو الميمون - عبد الرحمن بن عمر بن راشد بدمشق ، قال : حدثني أبو زرعة - عبد الرحمن بن عمرو بن صفوان الدمشقي ، قال : حدثني أبو مسهر - عبد الأعلى بن مسهر ، قال : حدثني سعيد بن عبد العزيز ، قال عمر : أمر أبو الدرداء بالقضاء يعني بدمشق ، وكان القاضي يكون خليفة الأمير إذا غاب .

33595 - وقد ذكرنا أخبار أبي الدرداء ، وسلمان ، وفضائلهما في باب كل واحد منهما من كتاب الصحابة ، والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية