الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1509 [ ص: 152 ] ( 5 ) باب عتق أمهات الأولاد وجامع القضاء في العتاقة

1481 - مالك عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أن عمر بن الخطاب قال : أيما وليدة ولدت من سيدها ، فإنه لا يبيعها ولا يهبها ولا يورثها ، وهو يستمتع بها ، فإذا مات فهي حرة .


33891 - قال أبو عمر : اختلف السلف والخلف من العلماء في عتق أم الولد ، وفي جواز بيعها :

33892 - فالثابت عن عمر - رضي الله عنه - أنها لا تباع عنده أبدا ، وأنها حرة من رأس مال سيدها .

33893 - وروي مثل ذلك عن عثمان بن عفان ، وعمر بن عبد العزيز .

33894 - وهو قول الحسن ، وعطاء ، ومجاهد ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، وإبراهيم ، وابن شهاب .

[ ص: 153 ] 33895 - وإلى هذا ذهب مالك ، والثوري ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وأبو حنيفة ، والشافعي في أكثر كتبه ، وقد أجاز بيعها في بعض كتبه .

33896 - قال المزني : قد قطع في أربعة عشر موضعا في كتبه بأن لا تباع ، وهو الصحيح من مذهبه ، وعليه جمهور أصحابه ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وزفر ، والحسن بن حي ، وأحمد ، وإسحاق وأبو عبيد ، وأبو ثور ، كلهم لا يجوز عندهم بيع أم الولد .

33897 - وكان أبو بكر الصديق ، وعلي ، وابن عباس ، وابن الزبير ، وجابر بن عبد الله ، وأبو سعيد الخدري - رضي الله عنهم يجيزون بيع أم الولد .

33898 - وبه قال داود بن علي .

33899 - وقال جابر ، وأبو سعيد : كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

33900 - ذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : كنا نبيع أمهات الأولاد ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا ، لا يرى بذلك بأسا .

[ ص: 154 ] 33901 - قال : وأخبرنا ابن جريج ، قال : وأخبرنا عبد الرحمن بن الوليد أن أبا إسحاق الهمداني أخبره أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - كان يقول ببيع أمهات الأولاد في إمارته ، وعمر في نصف إمارته .

33902 - وقال ابن مسعود : تعتق في نصف ولدها ، وذي بطنها .

33903 - وقد روي ذلك عن ابن عباس ، وابن الزبير .

33904 - قال أبو عمر : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مارية سريته ، لما ولدت ابنه إبراهيم : ( ( أعتقها ولدها ) ) مع وجه ليس بالقوي ، ولا يثبته أهل الحديث .

33905 - وكذلك حديث ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ( أيما امرأة ولدت من سيدها ، فهي حرة إذا مات ) ) .

33906 - ولا يصح أيضا من جهة الإسناد ; لأنه انفرد به حسين بن عبد الله [ ص: 155 ] بن عبيد الله بن عباس ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وحسين هذا ضعيف متروك الحديث .

33907 - والصحيح عن عكرمة أنه سئل عن أم الولد ؟ فقال : هي حرة إذا مات سيدها ، فقيل له : عمن هذا ؟ قال : عن القرآن ، قال : كيف ؟ فقال : قال الله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [ ص: 156 ] [ النساء : 59 ] ، وكان عمر من أولي الأمر ، قال : يعتقها ولدها ، ولو كان سقطا .

33908 - ذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن يحيى بن سعيد ، قال : أخبرني نافع ، أن رجلين من أهل العراق سألا ابن عمر بالأبواء ، وقالا : إنا كنا تركنا ابن الزبير يبيع أمهات الأولاد بمكة ، فقال : عبد الله : لكن أبا حفصة عمر - أتعرفانه ؟ - قال : أيما رجل ولدت منه جاريته ، فهي حرة بعد موته ) ) .

33909 - قال : وحدثني أبو خالد الأحمر ، عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي ، عن عبيدة السلماني ، عن علي رضي الله عنه ، قال : استشارني عمر في بيع أمهات الأولاد ، فرأيت أنا وهو أنها إذا ولدت عتقت ، فقضى به عمر حياته ، وعثمان بعده ، فلما وليته رأيت أن أرقهن .

قال الشعبي : وحدثني ابن سيرين ، عن عبيدة أنه قال له : فما ترى أنت ؟ فقال : رأي علي وعمر في الجماعة أحب إلي من قول علي حين أدركه الاختلاف .

33910 - وروى معمر ، وغيره عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة [ ص: 157 ] السلماني ، قال : سمعت عليا يقول : اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن .

قال : ثم رأيت بعد أن يبعن .

قال عبيدة : فقلت له : رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة ، أو قال في الفتنة ، فضحك علي - رضي الله عنه .

33911 - أخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : أخبرنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : أخبرنا عبد الله بن جعفر ، قال : حدثنا عبيد الله بن محمد بن عمرو ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن عمر ، قال : إذا أسقطت فإنها بمعنى الحرة .

33912 - قال أبو عمر : يعني في البيع ; لأن الإجماع قد انعقد أنها لا تعتق قبل موت سيدها ، وأنها في شهادتها وديتها ، وأرش جنايتها كالأمة ، وقد بان مذهب عمر بما ذكرنا في رواية مالك بن نافع ، عن ابن عمر عنه في أول هذا الباب .

33913 - وذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، قال : سئل ابن شهاب عن أم الولد تزني : أيبيعها سيدها ؟ قال : لا يصلح له أن يبيعها سيدها ، ولكن يقام عليها حد [ ص: 158 ] الأمة .

33914 - وروى الثوري ، عن أبي حصين ، عن مجاهد ، قال : لا يرقها حدث .

33915 - ومعمر ، عن أيوب ، عن إياس بن معاوية أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز في أم الولد تزني ، قال : فأراني إياس جواب عمر : أن أقم عليها الحد ، لا تزدها عليه ، ولا تسترق .

33916 - قال أبو عمر : ذكرت هذا ; لأنه قد روى معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي العجماء ، عن عمر أنها إذا زنت رقت ، وجمهور العلماء القائلين بأن لا تباع أم الولد على خلاف هذا الحديث ، يرون عليها إقامة الحد حد الأمة ، ولا تسترق .

33917 - قال أبو عمر : احتج الذين أجازوا بيع أم الولد من أهل الظاهر بأن قالوا : قد أجمعوا على أنها تباع قبل أن يحمل ، ثم اختلفوا إذا وضعت :

33918 - فالواجب بحق النظر ألا يزول حكم ما أجمعوا عليه مع جواز بيعها ، وهي حامل ، إلا بإجماع مثله إذا وضعت ، ولا إجماع هاهنا ، فعورضوا

[ ص: 159 ] بأن الأمة مجمعة على أنه لا يجوز بيعها ، وهي حامل من سيدها ، فمن ذلك لا يجوز بيعها ، وهي معارضة صحيحة على أصول أهل الظاهر دون سائر القائلين بزوال ما اعتل بزوال علته ، والقائسين على المعاني ، لا على الأسماء ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية