الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
195 [ ص: 249 ] ( 11 ) باب ما جاء في التأمين خلف الإمام

167 - ذكر فيه عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا أمن الإمام فأمنوا ; فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " .

4963 - قال ابن شهاب : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " آمين " .

168 - وعن سمي ، مولى أبي بكر ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا قال الإمام : " غير المغضوب عليهم ولا الضالين " فقولوا : آمين ; فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " .


[ ص: 250 ] [ ص: 251 ] 4964 - وقد بان في حديث سمي هذا أن معنى التأمين قول الرجل : آمين عند فراغه من قراءة فاتحة الكتاب والدعاء ، على حسب اختلاف العلماء في ذلك على ما نورده هنا - إن شاء الله - .

4965 - وكذلك قول ابن شهاب أيضا بان به أن قوله : " من وافق تأمينه تأمين الملائكة " أراد بذلك قول : آمين .

4966 - ومعنى آمين : الاستجابة ; أي : اللهم استجب لنا ، واسمع دعاءنا ، واهدنا سبيل من أنعمت عليه ورضيت عنه .

4967 - وقيل : معناها : أشهد لله .

4968 - وقيل : معناها : كذلك فعل الله .

4969 - وفيها لغتان : المد ، والقصر .

4970 - قال الشاعر فقصر : آمين فزاد الله ما بيننا بعدا 4971 - وقال آخر ، فمد : ويرحم الله عبدا قال آمينا [ ص: 252 ] 4972 - وفي حديث ابن شهاب هذا - وهو أصح حديث يروى عن النبي - عليه السلام - في هذا الباب - دليل على أن الإمام يجهر بآمين ، ويقولها من خلفه إذا قالها .

4973 - ولولا جهر الإمام بها ما قيل لهم : " إذا أمن الإمام فأمنوا " .

4974 - قالوا : ومن لا يجهر لا يسمع ، ولا يخاطب أحد بحكاية من لا يسمع قوله .

4975 - وقول ابن شهاب : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : آمين ، تفسير لمعنى التأمين .

4976 - هذا كله معنى قول الشافعي .

4977 - وقد روى المدنيون مثل ذلك عن مالك .

4978 - وفي هذا الحديث من الفقه قراءة أم القرآن في الصلاة ، ومعناه عندنا : في كل ركعة ; لما قدمنا من الدلائل .

4979 - ومعلوم أن التأمين إنما وقع على قوله : " اهدنا الصراط المستقيم " [ ص: 253 ] إلى آخر السورة .

4980 - ويدلك على ذلك قوله في حديث سمي : " إذا قال الإمام : " غير المغضوب عليهم ولا الضالين " فقولوا : آمين .

4981 - ولا خلاف أنه لا تأمين في الصلاة في غير هذا الموضع ، فسقط الكلام فيه .

4982 - وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن الإمام أيضا يقول : آمين ; لقوله - عليه السلام - : " إذا أمن الإمام فأمنوا " .

4983 - ومعلوم أن قول المأموم هو : آمين ; فكذلك يجب أن يكون قول الإمام .

4984 - وهذا موضع اختلف فيه العلماء .

4985 - فروى ابن القاسم عن مالك أن الإمام لا يقول : آمين ، وإنما يقول ذلك من خلفه دونه ، وهو قول ابن القاسم والمصريين من أصحاب مالك .

4986 - وحجتهم حديث سمي عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - قال : " إذا قال الإمام : " غير المغضوب عليهم ولا الضالين " فقولوا : آمين " .

4987 - ومثله حديث أبي موسى الأشعري عن النبي - عليه السلام - .

4988 - ومثله حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا قال الإمام : " غير المغضوب عليهم ولا الضالين " ، فقال من خلفه : آمين ، فوافق ذلك قول أهل السماء : آمين - غفر له ما تقدم من ذنبه " .

[ ص: 254 ] 4989 - هذا لفظ حديث سنيد عن إسماعيل بن جعفر عن محمد بن عمر .

4990 - وفي هذا الحديث دليل على أن الإمام يقتصر على القراءة إلى : " ولا الضالين " ، وأن المأموم يقتصر على التأمين ، قالوا : والدعاء يسمى تأمينا .

4991 - والتأمين دعاء ، احتجوا بقوله - تعالى - لموسى وهارون : " قد أجيبت دعوتكما " [ سورة يونس : 89 ] ، وإنما كان موسى الداعي ، وهارون يؤمن . كذلك قال أهل العلم بتأويل القرآن .

4992 - فمعنى قوله - عليه السلام - : " إذا أمن الإمام فأمنوا " أراد إذا قال الإمام : " اهدنا الصراط المستقيم " إلى آخر السورة - فأمنوا .

4993 - وقال جمهور أهل العلم : يقول الإمام : آمين ، كما يقولها المنفرد والمأموم .

4994 - وهو قول مالك في رواية المدنيين عنه ، منهم ابن الماجشون ، ومطرف ، وأبو مصعب ، وابن نافع ، وهو قولهم .

4995 - وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي ، والثوري ، والأوزاعي ، وابن المبارك ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، وداود ، والطبري .

4996 - وحجتهم أن ذلك ثابت عن النبي - عليه السلام - من حديث أبي هريرة ، وحديث وائل بن حجر ، وحديث بلال : يا رسول الله ، لا تسبقني بآمين .

4997 - وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله عنهم في " التمهيد " .

4998 - وقال الكوفيون وبعض المدنيين : لا يجهر بها ، وهو قول الطبري .

[ ص: 255 ] 4999 - وقال الشافعي ، وأصحابه ، وأبو ثور ، وأحمد ، وأهل الحديث : يجهر بها .

5000 - وكان أحمد بن حنبل يغلظ على من كره الجهر بها .

5001 - وذكر قول ابن جريج قال : قال لي عطاء : كنت أسمع الأئمة يقولون على أثر أم القرآن : آمين ، هم أنفسهم ، ومن وراءهم حتى إن للمسجد ضجة .

5002 - وأما قوله : " فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " - ففيه أقوال منها :

5003 - إنه يحتمل أن يكون أراد فمن أخلص في قوله : آمين بنية صادقة ، وقلب خاشع ، ليس بساه ، ولا لاه ، فوافق الملائكة الذين هكذا دعاؤهم في السماء ، يستغفرون للذين آمنوا من أهل الأرض ، ويدعون لهم بنيات صادقة ، ليس عن قلوب غافلة لاهية - غفر له - إن شاء الله - ما تقدم من ذنبه .

5004 - وقال آخرون : إنما أراد بقوله : " فمن وافق قوله قول الملائكة ، وتأمينه تأمين الملائكة " - الحث على الدعاء للمؤمنين والمؤمنات في الصلاة ، فمن دعا للمؤمنين والمؤمنات في الصلاة فقد وافق قوله وفعله فعل الملائكة وقولهم في ذلك . وقوله تعالى : " اهدنا الصراط المستقيم " دعاء للداعي وأهل دينه ، ويقع التأمين على ذلك ، فلذلك ندبوا إليه . والله أعلم .

5005 - وقال آخرون : الملائكة من الحفظة الكاتبين ، والملائكة المتعاقبون في صلاة الفجر وصلاة العصر - يشهدون الصلاة مع المؤمنين ، فيؤمنون عند قول القارئ : " ولا الضالين " ، فمن فعل مثل فعلهم غفر له - إن شاء الله - .

[ ص: 256 ] 5006 - وقد تكلمنا على حديث أبي الزناد عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - قال :

التالي السابق


الخدمات العلمية