الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
34423 - قال مالك : وسمعت بعض أهل العلم يقول في قول الله تبارك وتعالى : وآتوهم من مال الله الذي آتاكم [ النور : 33 ] إن ذلك أن يكاتب الرجل غلامه ، ثم يضع عنه من آخر كتابته شيئا مسمى .

34424 - قال مالك : فهذا الذي سمعت من أهل العلم ، وأدركت عمل الناس على ذلك عندنا .

34425 - قال مالك : وقد بلغني أن عبد الله بن عمر كاتب غلاما له على خمسة وثلاثين ألف درهم ، ثم وضع عنه من آخر كتابته خمسة آلاف درهم .


34426 - قال أبو عمر : قد اختلف العلماء أيضا في معنى قوله تعالى : وآتوهم من مال الله الذي آتاكم [ النور : 33 ] ، فقال بعضهم : ذلك على الإيجاب على السيد ، وقال آخرون : ذلك على الندب .

34427 - هذا قول مالك وأصحابه .

34428 - وقول أبي حنيفة وأصحابه ; قالوا : هذا على الندب والحض على الخير ، إلا أنه عند مالك أصل ، وهو مع ذلك لا يقضي به ، ولا يجب عليه .

[ ص: 255 ] 34429 - وقال آخرون : لم يرد بذلك السيد ، وإنما أريد بذلك جماعة الناس ; ندبوا إلى عون المكاتبين ، فأما أهل الظاهر ، فالكتابة عندهم ، إذا سألها العبد واجبة ، والإيتاء لهم من السيد واجب ، يضع عنه من كتابته ما شاء .

34430 - وقال الشافعي : واجب عليه أن يضع عنه من كتابته ما شاء ، ويجبره الحاكم على ذلك ولم يجد في ذلك شيئا ، وهو لا يرى الكتابة لغيره ; إذا سأله إياها واجبة ، لقيام الدليل عنده على ذلك ، ولم يكن الإيتاء عند ذلك ; لأنه أمر لا يعترضه أصل ، ورأى أن عطف الواجب على الندب في القرآن ولسان العرب ، كما قال الله تعالى : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى [ النحل : 90 ] وما كان مثل هذا .

34431 - وقال مالك : يندب السيد إلى أن يضع عنه من الكتابة شيئا في آخر كتابته ، من غير أن يجبر على ذلك ، ولم يحد أيضا في ذلك حدا ، واستحب أن يكون ذلك ربع الكتاب ، وكذلك استحب ذلك الشافعي ، إلا أنه يوجب الإيتاء ، ومالك يندب إليه .

34432 - وقول مالك أصح ، لأن الواجب لا تكون إلا معلومة ، ولأنه قد أجمعوا أن الكتابة لا تكون إلا على شيء معلوم ; فلو أن الوضع منها يكون واجبا مجهولا ، لآل ذلك إلى جهل مبلغ الكتابة .

[ ص: 256 ] 34433 - وأما استحبابهم أن يكون الوضع ربع الكتابة ، فإنه روي ذلك عن علي رضي الله عنه ، ورواه بعض الرواة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والصحيح أنه موقوف على علي من قوله .

34434 - ومن المرفوع فيه ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ، قال : حدثني محمد بن الربيع ، قال : حدثني إبراهيم بن غالب ، قال : حدثني محمد بن الربيع بن سليمان الأزدي ، قال : حدثني يوسف بن سعيد بن مسلم ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : وآتوهم من مال الله الذي آتاكم [ النور : 33 ] قال : ( ( ربع الكتابة ) ) وبه عن ابن جريج ، وعطاء بن السائب عن حبيب بن السائب عن عاصم بن ضمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

34435 - وروى عبد الرزاق ، عن ابن جريج الحديثين جميعا هكذا مرفوعين .

34436 - وقال ابن جريج : وأخبرني غير واحد ، عن عطاء بن السائب ، أنه كان يحدث بهذا الحديث ، لا يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم .

34437 - قال أبو عمر : عطاء بن السائب تغير في آخر عمره ، فيما ذكر أهل العلم بالنقل ، فأتى منه مثل هذا ، وسماع ابن جريج منه أحرى .

[ ص: 257 ] 34438 وقد رواه عنهم أهل العلم بالنقل ، والجماعة مرفوعا ، 34439 - فمن رواه عن عطاء ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي رضي الله عنه ، من قوله ، سفيان ، وشعبة ، ومعمر ، وحماد بن زيد ، وحماد بن سلمة ، والمسعودي ، وابن علية ، والمحاربي ، ومحمد بن فضل ، عن عطاء ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي موقوفا .

34440 - وكذلك رواه الثوري أيضا ، وقيس بن الربيع ، وليث بن أبي سلمة ، عن عبد الأعلى بن أبي عبد الرحمن ، قال : شهدت عليا رضي الله عنه ، كاتب عبدا له على أربعة آلاف ، فحط عنه ألفا في آخر نجومه ، قال : وسمعت عليا يقول : وآتوهم من مال الله الذي آتاكم [ النور : 33 ] : الربع مما تكاتبوهم عليه .

34441 - وروى يزيد بن هارون ، عن عبد الملك بن سليمان ، عن عبد الملك بن أعين ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، كاتب غلاما له على أربعة آلاف ، فحط عنه ألفا ، وقال : لولا أن عليا فعل ، ما فعلته .

34442 - وقال مجاهد : يترك له طائفة من كتابته .

34443 - وكان ابن عمر يكره أن يضع عنه في أول نجومه ; مخافة أن يعجز .

34444 - وروي عن ابن عباس : يوضع عنه شيء ما كان .

34445 - وقال أحمد بن حنبل : يعطى مما كوتب عليه الربع ; لقول الله [ ص: 258 ] تعالى : وآتوهم من مال الله الذي آتاكم [ النور : 33 ] .

34446 - وروي عن أبي اليسر كعب بن عمرو أنه وضع عن مكاتبه السدس .

34447 - وعن أبي أسيد الساعدي مثله .

34448 - وقال قتادة : يوضع عنه العشر .

34449 - قال أبو عمر : تأول من ذهب هذا المذهب في أن على السيد أن يحط عن مكاتبه من مكاتبته في آخر نجومه ، أو في سائرها ، أو يعطيه من عند نفسه ، مما صار إليه منه ، من رأى ذلك ندبا ، ومن رآه واجبا ، قول الله تعالى : وآتوهم من مال الله الذي آتاكم [ النور : 33 ] منهم .

34450 - وأما الذين ذهبوا إلى أن ذلك لم يخاطب به سادات المكاتبين ، وإنما خوطب به سائر الناس في عون المكاتبين ، فمنهم بريدة الأسلمي .

34451 - رواه الحسن بن واقد ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه في قوله تعالى : وآتوهم من مال الله الذي آتاكم [ النور : 33 ] قال : حث الناس على أن يعينوا المكاتب .

34452 - وعن مجاهد مثله .

34453 - وعن الحسن ، قال : حضوا على أن يعطوا المكاتب والمولى [ ص: 259 ] منهم .

34454 - عن إبراهيم ، مسألة ; وقال البطي : إنما أعين به الناس ليتصدقوا على المكاتبين ، عن زيد بن أسلم : أمر بذلك الولاة ; ليعطوهم من الزكاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية