الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 273 ] ( 2 ) باب الحمالة في الكتابة

1505 - قال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا ; أن العبيد إذا كوتبوا جميعا ، كتابة واحدة ، فإن بعضهم حملاء عن بعض ، وإنه لا يوضع عنهم لموت أحدهم شيء ، وإن قال أحدهم : قد عجزت ، وألقى بيديه ، فإن لأصحابه أن يستعملوه فيما يطيق من العمل ، ويتعاونون بذلك في كتابتهم ، حتى يعتق بعتقهم ، إن عتقوا ، ويرق برقهم ، إن رقوا .


34528 - قال أبو عمر : اختلف الفقهاء في هذه المسألة ، فروى فيها سفيان كقول مالك .

34529 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يكون لعبيد إذا كاتبهم سيدهم كتابة واحدة ; حملا بعضهم عن بعض ، إلا أن يكاتب الرجل عبديه كتابة واحدة معلومة ، ويشترط عليهما أنهما إن أديا ، عتقا ، وإن عجزا ، ردا في الرق ، فإن لم يشترط ذلك عليهما ، لم يكونا حميلين بعضهما عن بعض ، فإن اشترط ذلك في عقد الكتابة ، كان للسيد أن يأخذ كل واحد منهما بالكتابة كلها فأيهما أداها إليه عتق وعتق صاحبه ، وكان له أن يرجع على صاحبه بحصته منها ، وكذلك ما أداه من الكتابة [ ص: 274 ] في شيء كان له أن يرجع على صاحبه بشيء ، ولو لم يشترط في الكتابة أنهما إذا أديا عتقا ، وإن عجزا ردا ، وكاتبهما على الكراء وشيء معلوم ولم يذكر شيئا غير ذلك كانت الكتابة جائزة ، وكان على كل واحد منهما إلا بالشرط .

34530 - وهذا لا أعلم فيه خلافا ، أن أولاده عبيد لسيده ، ليسوا تبعا له عند عقد كتابته ، وإنما يكون تبعا له إذا تسرى ، وهو مكاتب ، ثم ولد له من سريته ، وهؤلاء يدخلون معه بلا شرط ، ولو ولدوا من سريته قبل الكتابة ، لم يدخلوا في كتابته ، إلا أن يدخلهم بالشرط مع نفسه في كتابته .

34531 - فهذا مذهب جمهور العلماء من أهل الحجاز ، والعراق .

34532 - وذكر علي ابن المديني ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، في رجل كاتب غلامه ، ثم أطلعه بعد الكتابة أن له سرية وولد ، فسريته فيما كانت عليه وولده رقيق للسيد الذي كاتبه .

34533 - وقال عطاء وعمرو بن دينار ، وسليمان بن موسى : لا يكون أحد العبيد المكاتب حملا عن غيره سواء قال سيده واشترطه أم لا ; لأنه إن عجز عاد عبدا ، فليس دينه بلازم .

34534 - وأما الشافعي ، فلا يجوز عنده أن يحتمل أحد العبيد عن صاحبه شيئا من الكتابة التي أكرهوا عليها ، قال : فإن اشترط ذلك عليهم السيد ، فالكتابة [ ص: 275 ] فاسدة .

34535 - قال الشافعي : ولو كانت ثلاثة أعبد له كتابة واحدة على مائة منجمة في سنين ، على أنهم إذا أدوا أعتقوا ، كانت جائزة فالمائة مقسومة على قيمتهم يوم كوتبوا ، فأيهم أدى حصته إذا عتق عجز ، وأيهم عجز رق ، وأيهم مات قبل أن يؤدي ، مات رقيقا كان له ولد أو لم يكن .

34536 - قال : وإن أدى أحدهم عن غيره بإذنه ، ويرجع عليه وإن تطوع ، وعتقوا ، لم يكن له الرجوع .

34537 - قال أبو عمر : على قول مالك من مات من الذين كوتبوا كتابة واحدة ، لم تسقط حصته من الكتابة ، وكذلك لو عجز عن السعي ، وعلى الباقين السعي في جميع الكتابة حتى يؤدوها ، وإن لم يؤدوها ، عجزوا ، ورجعوا رقيقا ، وغير الشافعي يسقط حصة الميت من الكتابة ، ويسعى الباقون في حصصهم لا غير ، وعلى كلا القولين جماعة من السلف .

التالي السابق


الخدمات العلمية