الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
34667 - قال مالك : أحسن ما سمعت في المكاتب : أنه إذا بيع كان أحق باشتراء كتابته ممن اشتراها ، إذا قوي أن يؤدي إلى سيده الثمن الذي باعه به نقدا ، وذلك أن اشتراءه نفسه عتاقة ، والعتاقة تبدأ على ما كان معها من الوصايا ، وإن باع بعض من كاتب المكاتب نصيبه منه ، فباع نصف المكاتب أو ثلثه أو ربعه ، أو سهما من أسهم المكاتب ، فليس [ ص: 302 ] للمكاتب فيما بيع منه شفعة ، وذلك أنه يصير بمنزلة القطاعة ، وليس له أن يقاطع بعض من كاتبه إلا بإذن شركائه ، وأن ما بيع منه ليست له به حرمة تامة ، وأن ماله محجوز عنه ، وأن اشتراءه بعضه يخاف عليه منه العجز ، لما يذهب من ماله ، وليس ذلك بمنزلة اشتراء المكاتب نفسه كاملا ، إلا أن يأذن له من بقي له فيه كتابة ، فإن أذنوا له كان أحق بما بيع منه .


34668 - قال أبو عمر : رأى مالك - رحمه الله - الشفعة واجبة للمكاتب إذا باع سيده ما عليه من كتابته ما عليه ; لما في ذلك من تعجيل عتقه ، ولم ير له شفعة إذا بيع بعض ما عليه ; لأنه لا تتم شفعته في ذلك عتقه ، ثم رأى أن ذلك بإذن من بقي له فيه كتابة ; لأنه مع الضرر الذي عليه في ذلك قد رضوا به .

34669 - وكان سحنون يقول : هذا حرف سوء ، إلا أن يأذن في ذلك الشريك الآخر .

34670 - وكذلك رواه ابن القاسم ، عن مالك في المكاتب بين الرجلين; يبيع أحدهما نصيبا منه ، إن المكاتب لا يكون أحق بذلك من المشتري ، إلا أن يأذن في ذلك الشريك الآخر ; لأنه لا يفضي بذلك إلى عتاقه ، وإنما يكون ذلك له إذا بيعت كتابته كلها ; لأن ذلك يفضي إلى عتق .

34671 - قال سحنون : قوله : إلا أن يأذن له في ذلك الشريك الآخر حرف [ ص: 303 ] سوء .

34672 - قال أبو عمر : قد قال بقول مالك في شفعة المكاتب قوم من التابعين ; منهم عطاء ، وأبى ذلك غيرهم من العلماء ; لأن الشفعة إنما وردت في الأصول التي تقع فيها الحدود .

34673 - وسنبين هذا المعنى عند اختلاف أصحاب مالك ، وقولهم في الشفعة في الدين لمن هو عليه إذا بيع من غيره ، إن شاء الله تعالى .

34674 - وأما الشافعي ، وأبو حنيفة وأصحابهما ، وكل من لا يجوز عنده بيع كتابة المكاتب ، فليس للشفعة ذكر في كتبهم هاهنا .

34675 - والمسألة مسألة اتباع .

34676 - ذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج عن الحسن بن مسلم ، قال : بلغني أن المكاتب يباع هو أحق بنفسه ، يأخذها بما بيع .

34677 - قال ابن جريج : وقال عطاء : من بيع عليه دين ، فهو أحق به يأخذه بالثمن إن شاء .

34678 - قال : وأخبرنا معمر ، عن رجل من قريش ، أن عمر بن عبد العزيز ، قضى في المكاتب اشترى ما عليه بعروض ، وجعل المكاتب أولى بنفسه ، ثم قال : إن [ ص: 304 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ( من ابتاع دينا على رجل إلى أجل ، فصاحب الدين أولى بالذي عليه ، إذا أدى ما أدى صاحبه .

34679 - قال معمر : وقال الزهري : رأيت القضاة يقضون في من اشترى دينا على رجل ، أن صاحب الدين أولى به .

34680 - وكان عمر بن عبد العزيز يقضي به .

34681 - قال معمر : وأما أهل الكوفة ، فلا يرونه شيئا .

التالي السابق


الخدمات العلمية