الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1536 [ ص: 318 ] ( 7 ) باب عتق المكاتب إذا أدى ما عليه قبل محله

1510 - مالك ; أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وغيره ، يذكرون أن مكاتبا كان للفرافصة بن عمير الحنفي ، وأنه عرض عليه أن يدفع إليه جميع ما عليه من كتابته ، فأبى الفرافصة ، فأتى المكاتب مروان بن الحكم ، وهو أمير المدينة ، فذكر ذلك له فدعا مروان الفرافصة ، فقال له ذلك ، فأبى فأمر مروان بذلك المال أن يقبض من المكاتب ، فيوضع في بيت المال ، وقال للمكاتب : اذهب فقد عتقت ، فلما رأى ذلك الفرافصة ، قبض المال .

قال مالك : فالأمر عندنا ، أن المكاتب إذا أدى جميع ما عليه من نجومه قبل محلها ، جاز ذلك له ، ولم يكن لسيده أن يأبى ذلك عليه ، وذلك أن يضع عن المكاتب بذلك كل شرط ، أو خدمة أو سفر ; لأنه لا تتم عتاقة رجل وعليه بقية من رق ولا تتم حرمته ، ولا تجوز شهادته ، ولا يجب ميراثه ، ولا أشباه هذا من أمره ، ولا ينبغي لسيده أن يشترط عليه خدمة بعد عتاقته .

قال مالك : في مكاتب مرض مرضا شديدا ، فأراد أن يدفع نجومه كلها إلى سيده ، لأن يرثه ورثة له أحرار ، وليس معه في كتابته ولد له .

[ ص: 319 ] قال مالك : ذلك جائز له ; لأنه تتم بذلك حرمته ، وتجوز شهادته ، ويجوز اعترافه بما عليه من ديون الناس ، وتجوز وصيته ، وليس لسيده أن يأبى ذلك عليه ، بأن يقول : فر مني بماله .


34746 - قال أبو عمر : أما قضاء مروان على الفرافصة بن عمير ; فقد روي ذلك عن عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان - رضي الله عنهما - ، وأظن مروان بلغه ذلك ، فقضى به ، وكذلك قضى عمرو بن سعيد في إمارته .

34747 - ذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا إسرائيل بن يونس ، قال : أخبرنا عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، قال : كاتب رجل غلاما له على أواق سماها ، ونجمها عليه نجوما ، فأتاه العبد بماله كله ، فأبى أن يقبله إلا على نجومه ; رجاء أن يرثه ، فأتى عمر بن الخطاب فأخبره ، فأرسل إلى سيده فأبى أن يأخذها ، فقال عمر : خذها فاطرحها في بيت المال ، وأعطه نجومه ، وقال للعبد : اذهب فقد عتقت ، فلما رأى ذلك سيد العبد ، قبل المال .

34748 - قال : وأخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، قال : كاتب عبد على أربعة آلاف ، أو خمسة آلاف ، فجاء بها إلى سيده ، فقال : خذها جميعا وخلني ، فأبى سيده إلا أن يأخذها في كل سنة نجما ; رجاء أن يرثه ، فأتى عثمان بن عفان فذكر ذلك له ، فدعاه عثمان ، فعرض عليه أن يقبلها من العبد ، فأبى ، فقال [ ص: 320 ] للعبد : ائتني بما عليك ، فأتاه به ، فجعله في بيت المال ، وكتب له عتقا ، وقال للمولى : ائتني كل سنة ، فخذ نجما ، فلما رأى ذلك ، أخذ ماله وكتب عتقه .

34749 - قال : وأخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء ، أن مكاتبا عرض على سيده بقية كتابته ، فأبى سيده ، فقال له عمرو بن سعيد ، وهو أمير مكة : هلم ما بقي عليك فضعه في بيت المال ، وأنت حر ، وخذ أنت نجومك في كل عام ، فلما رأى ذلك سيده أخذ ماله .

34750 - قال : وأخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني ابن مسافع ، عن مروان ، أنه قضى بمثل هذه القضية في وردان .

34751 - قال أبو عمر : على هذا مضى القضاء عند جمهور الفقهاء بالحجاز ، والشام ، والعراق .

34752 - وبه قال أحمد ، وإسحاق .

34753 - وذكر المزني ، عن الشافعي : ويجبر السيد على قبول النجم إذا عجله له المكاتب .

34754 - واحتج في ذلك بعمر بن الخطاب .

[ ص: 321 ] 34755 - قال الشافعي : إذا كانت دنانير ، أو دراهم ، أو مالا يتغير على طول العهد الحديد ، والنحاس ، وما أشبهه ، وأما ما يتغير على المكث ، أو كانت لحمولته مؤنة فليس عليه قبوله إلا في موضعه .

34756 - قال : فإن كان في طريق حرابة ، أو في بلد فيه نهب لم يلزمه قبوله إلا أن يكون في ذلك الموضع كاتبه فيلزمه قبوله .

34757 - قال أبو عمر : وجه قول مالك : على سيد المكاتب قبول الكتابة منه مريضا كان المكاتب أو صحيحا ; لأن المكاتبة عقد عتق على صفة ، وهي الأداء ، فإذا أداها لزم السيد قبولها ، فإن امتنع من ذلك أجبر عليه ; لأنه حق للمكاتب ، ومعلوم أن التأخير إنما كان رفقا بالمكاتب لا بالسيد ، فإذا رضي المكاتب بتعجيل الكتابة لم يكن لامتناع السيد من ذلك وجه إلا الإضرار ، فوجب أن يمنع منه ، ويجبر على القبول للمال ; لما فيه من الخير لهما جميعا ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية