الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1560 1534 - مالك عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ؛ أنه سمعه يقول : لما صدر عمر بن الخطاب من منى ، أناخ بالأبطح ، ثم كوم كومة بطحاء ، ثم طرح عليها رداءه واستلقى ، ثم مد يديه إلى السماء فقال : اللهم كبرت سني ، وضعفت قوتي ، وانتشرت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط ، ثم قدم المدينة فخطب الناس ، فقال : أيها الناس ، قد سنت لكم السنن ، وفرضت لكم الفرائض ، وتركتم على الواضحة ، إلا أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا ، وضرب بإحدى يديه على الأخرى ، ثم قال : إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم ، أن يقول قائل : لا نجد حدين في كتاب الله ، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجمنا ، والذي نفسي بيده ، لولا أن يقول الناس : زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتها ( الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتة ) فإنا قد قرأناها .

قال مالك : قال يحيى بن سعيد : قال سعيد بن المسيب : فما انسلخ ذو [ ص: 68 ] الحجة حتى قتل عمر . رحمه الله .

قال يحيى : سمعت مالكا يقول : قوله " ( الشيخ والشيخة ) " ، يعني الثيب والثيبة . ( فارجموهما ألبتة ) .


35413 - قال أبو عمر : هذا حديث صحيح الإسناد ، يستند منه قوله : " رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

35414 - وقد سمعه سعيد بن المسيب من عمر ، في قول جماعة من أهل العلم ، وشهد معه هذه الحجة ، وسمعه يقول عند رؤيته البيت ، وعند طوافه ، كلاما ، حفظه عنه ، قد ذكرته في " التمهيد " .

35415 - وكان علي بن المديني ؛ يصحح سماع سعيد بن المسيب من عمر بن الخطاب .

[ ص: 69 ] 35416 - وكان ابن معين ينكره ، ويقول : كان غلاما في زمان عمر بن الخطاب ؛ لأنه ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر .

34517 - قال أبو عمر : كان سعيد بن المسيب حافظا ، ذكيا ، عالما ، وكان سنه في حجة عمر هذه ، ثمانية أعوام ونحوها ، ومن دون هذا السن يحفظ أكثر من هذا .

35418 - روى شعبة ، عن إياس بن معاوية ، قال : قال لي سعيد بن المسيب ممن أنت ؟ قلت : من مزينة . قال : إني لأذكر اليوم الذي نعى فيه عمر بن الخطاب النعمان بن مقرن المزني إلى الناس ، على المنبر .

35419 - رواه جماعة من حفاظ أصحاب شعبة ، عن شعبة .

35420 - وروى الأصمعي ، قال : حدثني طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيب ، عن سعيد بن المسيب ، قال : كنت في الغلمة الذين جروا جعدة العقيلي إلى عمر .

35421 - وقال الحسن الحلواني : حدثني أسباط ، عن الشيباني ، عن بكير بن الأشج ، عن سعيد بن المسيب ، قال : سمعت عمر ، على المنبر يقول : لا أجد أحدا جامع ، ولم يغتسل - أنزل أو لم ينزل - إلا عاقبته .

35422 - قال أبو عمر : هذه الآثار أصح من حديث ابن لهيعة ، عن بكير بن الأشج ، قال قيل لسعيد بن المسيب ، أدركت عمر بن الخطاب ؟ وكان يحيى بن معين ينكر سماعه من عمر ، وروايته له .

[ ص: 70 ] 35423 - وليس الإنكار بعلم .

35424 - حدثني عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني ابن وضاح ، قال : حدثني عبد الصمد ، قال : حدثني شعبة ، عن قتادة ، قال : قلت لسعيد بن المسيب : رأيت عمر بن الخطاب ؟ قال : نعم .

35425 - قال ابن وضاح : ولد سعيد بن المسيب لسنتين مضتا من خلافة عمر ، وسمع منه كلامه الذي قال حين نظر إلى الكعبة : اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، فحينا ربنا بالسلام .

35426 - كذلك قال ابن كاسب ، وغير واحد ممن لاقيت .

35427 - قال أبو عمر : ليس في قول عمر رضي الله عنه : فاقبضني إليك غير مضيع ، ولا مفرط ، خلافا لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " لا يتمنين أحدكم الموت ؛ لضر نزل به " ؛ لأن هذا دعاء ، كان من عمر شفقة على دينه ، وخوفا من أن تدركه فتنة ، تصده عن القيام بأمور الناس ، في دنياهم ودينهم ، مما أدخل فيه نفسه .

[ ص: 71 ] 35428 - وإنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم ، عن تمني الموت عند نزول المصائب ، وحلول البلاء ؛ تسخطا للقضاء ، وقلة رضى ، وعدم صبر على الإيذاء .

35429 - وأما إذا كان ذلك شحا من المرء على دينه ، وخوفا من أن يفتن لما يرى من عموم الفتن ، فليس ذلك من معنى ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم .

35430 - ألا ترى إلى قول معاذ بن جبل ، لما رأى ما رأى ، وعلم ما علم ؛ من إقبال الفتن ، قال في طاعون عمواس : يا طاعون ، خذني إليك . تمنيا للموت . فمات في ذلك الطاعون .

35431 - وما زال الأنبياء ، والصالحون ، يخافون الفتنة في الدين على أنفسهم ، ويتمنون من أجل ذلك الموت على خير ما هم عليه .

3543 - قال إبراهيم الخليل - عليه السلام - : ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) [ سورة إبراهيم : الآية 35 ] .

35433 - وقال يوسف - عليه السلام - : ( توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) [ سورة يوسف : الآية 101 ] .

35434 - قال أبو عمر : قد تقدم في هذا الباب من القول في الرجم ، وثبوته عند أهل العلم ، في السنة ، وفي الكتاب المحكم ، المعمول به عند جماعة منهم ، بشهادة الآثار الصحاح بذلك ما فيه - والحمد لله - كفاية .

35435 - حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني بكر بن حماد ، قال : حدثني مسدد .

[ ص: 72 ] وحدثني أحمد بن قاسم ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني الحارث بن أبي أسامة ، قال حدثني إسحاق بن عيسى ، قالا جميعا : حدثني حماد بن زيد - واللفظ لحديث مسدد - وهو أتم عن حديث ابن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، قال : سمعت عمر بن الخطاب ، يخطب : أيها الناس ، إن الرجم حق ، فلا تخدعن عنه ، وإن آية ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ، وأن أبا بكر قد رجم ، وأنا قد رجمنا بعدهما ، وسيكون قوم من هذه الأمة ، يكذبون بالرجم ، ويكذبون بالدجال ، ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها ، ويكذبون بعذاب القبر ، ويكذبون بالشفاعة ، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا .

35436 - قال أبو عمر : الخوارج كلها ، وكثير من المعتزلة ، يكذبون بهذا كله ، والله أسأله التوفيق لما يرضاه من عصمته ، ورحمته .

35437 - حدثني سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني قاسم بن إسماعيل ، قال : حدثني الحميدي ، قال : حدثني سفيان بن عيينة ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، قال : سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول : إن الله - عز وجل - بعث محمدا - عليه السلام - بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، وكان فيما أنزل عليه آية الرجم ، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده .

[ ص: 73 ] 35438 - قال سفيان ، قد سمعته من الزهري بطوله ، وحفظ بعضه ، وسقط عليه منه ما سمعه من معمر عنه .

35439 - قال أبو عمر : يعني حديث السقيفة ، سمعه من الزهري بطوله ، وحفظ بعضه ، وسقط عليه منه ما سمعه عن معمر عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية