الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1564 [ ص: 99 ] باب جامع ما جاء في حد الزنا

1538 - مالك عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ؟ فقال : " إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم بيعوها ، ولو بضفير " .

[ ص: 100 ] 35558 - قال ابن شهاب : لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة .

35559 - قال مالك : والضفير الحبل .


35560 - هكذا روى مالك هذا الحديث ، عن ابن شهاب ، بهذا الإسناد ، وتابعه على إسناده هذا ، يونس بن يزيد ، ويحيى بن سعيد .

35561 - ورواه عقيل ، والزبيدي ، وابن أخي الزهري ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، أن شبل بن خالد ، أو شبيل بن خالد المزني ، أخبره أن عبد الله بن مالك الأوسي أخبره ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سئل عن الأمة إذا زنت ، وذكروا الحديث ، إلا أن عقيلا وحده ، قال : مالك بن عبد الله الأوسي ، وقال الزبيدي ، وابن أخي الزهري : عبد الله بن مالك الأوسي ، وقال يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن شبل بن خالد المزني عن عبد الله بن مالك ، ورواه ابن عيينة ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله ، عن أبي هريرة ، وزيد بن خالد ، وشبل المزني ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، سئل عن الأمة ، إذا زنت .

35562 - وقد تقصينا الاختلاف عن ابن شهاب ، في هذا الحديث ، في " التمهيد " وذكرنا أقوال أئمة أهل الحديث في ذلك هنالك .

35563 - وزعم الطحاوي ، أنه لم يقل أحد في هذا الحديث : " ولم تحصن " ، سوى مالك وأن سائر الرواة ، عن ابن شهاب ، إنما قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما قال عن الأمة إذا زنت . فقال : " إذا زنت ، فاجلدوها " ، الحديث .

35564 - وليس كما زعم الطحاوي ، وقد قاله يحيى بن سعيد ، في هذا [ ص: 101 ] الحديث ، عن ابن شهاب ، وقالته طائفة من رواة ابن عيينة ، عن ابن عيينة ، عن الزهري في هذا الحديث .

35565 - وإذا اتفق مالك ، وابن عيينة ، ويحيى بن سعيد ، في هذا الحديث ، على قوله : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سئل عن ‌‌الأمة إذا زنت ولم تحصن " ، وليس من خالفهم عليهم حجة .

35566 - وقد روى هذا الحديث سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يذكر فيه : ولم تحصن ، ورواه عن سعيد المقبري ، الليث بن سعد ، وأسامة بن سعيد ، وعبيد الله بن عمر ، وإسماعيل بن أمية ، وقد ذكرنا الأسانيد عنهم ، وعن سائر رواة ابن شهاب ، في " التمهيد " .

35567 - ورواية أيوب بن موسى : " فليجلدها الحد " . ولا نعلم أحدا ذكر فيها الحد غيره ، وكلهم يقول : ولا يعييرها ، ولا يثرب عليها .

35568 - وأجمع العلماء على أن الأمة إذا تزوجت ، فزنت ، أن عليها نصف ما على الحرة البكر ، من الجلد ، لقول الله عز وجل : ( فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) [ النساء : 25 ] .

35569 - والإحصان في الإماء على وجهين عن العلماء ؛ منهم من يقول : فإذا أحصن . أي : تزوجن . ومنهم من يقول : إحصان الأمة : إسلامها .

35570 - واختلف القراء في القراءة ، في هذه الكلمة ؛

[ ص: 102 ] 35571 - فمنهم من قرأ أحصن بضم الهمزة ، وكسر الصاد ، يريدون : تزوجن ، وأحصن بالأزواج ، يعني : أحصنهن غيرهن ؛ يعني الأزواج بالنكاح .

35572 - وقد قيل : أحصن بالإسلام ، فالزوج محصنها ، والإسلام محصنها .

35573 - ومن قرأ بفتح الهمزة والصاد ، أراد تزوجن أو أسلمن ، على مذهب من قال ذلك .

35574 - والمعنيان في القراءتين متقاربان ، متداخلان .

35575 - وقد ذكرنا في " التمهيد " ، كل من قرأ بالقراءتين من الصحابة ، والتابعين ، وسائر القراء ، في أمصار المسلمين .

35576 - وكان ابن عباس يقول : إذا أحصن بالأزواج ، وكان يقول : ليس على الأمة حد حتى تتزوج .

35577 - وروى عطية بن قيس ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، مثله .

[ ص: 103 ] 35578 - وروي عن عمر ما يشبهه .

35579 - وروى عمرو بن دينار ، وعطاء ، عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ، عن أبيه ، أنه سأل عن عمر بن الخطاب ، عن الأمة : كم حدها ؟ قال : ألقت بفروتها من وراء الدار .

35580 - قال أبو عبيد : لم يذكر بقوله هذا الفروة بعينها ؛ لأن الفروة جلدة الرأس .

35581 - كذا قال الأصمعي ، وكيف تلقي جلدة رأسها من وراء الدار ؟ ولكن إنما أراد بالفروة : القناع ، يقول : ليس عليها قناع . ولا حجاب ؛ لأنها تخرج إلى كل موضع يرسلها أهلها إليه ، لا تقدر على الامتناع من ذلك ، وكذلك لا تكاد تمتنع من الفجور ، فكأنه رأى أن لا حد عليها إذا فجرت بهذا المعنى .

35582 - قال : وقد روي تصديق ذلك في حديث مفسر ، حدثناه زيد ، عن جرير بن حازم ، عن عيسى بن عاصم ، قال : تذاكرنا يوما قول عمر هذا ؛ فقال سعد بن حرملة : إنما ذلك من قول عمر في الرعايا ، فأما اللواتي قد أحصنهن مواليهن ، فإنهن إذا أحدثن ، حددن .

35583 - قال أبو عبيد : هكذا جاء في هذا الحديث : الرعايا ، وأما العربية ؛ فرواعي .

35584 - قال أبو عمر : ظاهر حديث عمر هذا ، أن لا حد على الأمة ، إلا أن [ ص: 104 ] تحصن بالتزويج ، وقد قيل : إن معناه أن لا حد على الأمة ، كانت ذات زوج ، أو لم تكن ؛ لأنه لا حجاب عليهما ، ولا قناع ، وإن كانت ذات زوج .

35585 - وقد روي عن ابن عباس : أن لا حد على عبد ، ولا ذمي ، إلا أنه قول مجمل ، يحتمل التأويل .

35586 - وروي عنه أيضا ، أن ليس على الأمة حد ، حتى تحصن ، رواه ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد عنه .

35587 - وهو قول طاوس ، وعطاء .

35588 - وروي عن ابن جريج ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، أنه كان لا يرى على العبد ، ولا على الأمة حدا ، إلا أن ينكح الأمة حر ، فينكحها ، فيجب عليها شطر الجلد .

35589 - قال ابن جريج : قلت لعطاء : عبد زنى ، ولم يحصن ؟ قال : يجلد غير حد .

35590 - قال أبو عمر : كل من لا يرى على الأمة حدا ، حتى تنكح ، يرى أن تؤدب ، وتجلد دون الحد إن زنت ، ورووا حديث أبي هريرة ، وزيد بن خالد ، على هذا المعنى .

35591 - وممن قال : لا حد على الأمة ، حتى تحصن بزوج ، ما تقدم عن عمر ، [ ص: 105 ] وأبي الدرداء ، وابن عباس ، وطاوس ، وأبي عبيد القاسم بن سلام .

35592 - وأما الذين قالوا : إحصانها إسلامها فيرون عليها الحد ، إذا زنت ؛ كانت قد تزوجت قبل ذلك ، أم لا .

35593 - روي ذلك عن ابن مسعود ، وغيره .

وروى أهل المدينة ، عن عمر ، هذا المعنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية