الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1565 1540 - وذكر مالك في هذا الباب عن نافع ؛ أن عبدا كان يقوم على رقيق الخمس ، وأنه استكره جارية من ذلك الرقيق ، فوقع بها ، فجلده عمر بن [ ص: 106 ] الخطاب ونفاه ، ولم يجلد الوليدة ؛ لأنه استكرهها .


35597 - وفي هذا الحديث جلد العبيد ، إذا زنوا ، ونفيهم ، وذلك كله عن عمر ، خلاف ما روى عنه أهل العراق ، في الأمة إذا زنت ، ألقت فروتها وراء الدار أي : لا حد عليها .

35598 - وروي عن أنس ، أنه كان يجلد إماءه ، إذا زنين تزوجن ، أو لم يتزوجن .

35599 - وروي ذلك ، عن علي ؛ وابن مسعود .

35600 - وبه قال إبراهيم النخعي ، والحسن البصري .

35601 - وإليه ذهب مالك ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وعثمان البتي ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وعبيد الله بن الحسن ، وأحمد ، وإسحاق .

35602 - وروى معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ، في الأمة إذا زنت ، قال : إن كانت ليست ذات زوج ، جلدها سيدها نصف ما على المحصنات من العذاب ، وإن كانت ذات زوج ، يضع أمرها إلى السلطان .

35603 - قال أبو عمر : أما ظاهر القرآن ، فهو شاهد بأن الأمة لا حد [ ص: 107 ] عليها ، حتى تحصن بزوج ؛ قال الله عز وجل : ( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) [ النساء : 25 ] .

فوصفهن عز وجل بالإيمان ثم قال عز وجل : ( فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) [ النساء : 25 ] ، والإحصان : التزويج هاهنا ؛ لأن ذكر الإيمان قد تقدم .

35604 - ثم جاءت السنة ، في الأمة إذا زنت ، ولم تحصن ، جلدت دون الحد ، وقيل : بل بالحد وتكون زيادة بيان ، كنكاح المرأة على عمتها ، وعلى خالتها ، ونحو ذلك مما قد أوضحناه في مواضع من كتابنا ، والحمد لله كثيرا .

35605 - قال أبو عمر : اختلف العلماء في إقامة السادة الحدود على عبيدهم

35606 - فقال مالك : يحد المولى عبده ، وأمته ، في الزنا ، وشرب الخمر ، والقذف ، إذا شهد عليه الشهود ، ولا يحده إلا بالشهود ، ولا يقطعه في السرقة ، وإنما يقطعه الإمام .

35607 - وهو قول الليث .

35608 - واختلف أصحاب مالك ، في ذلك ، على ما ذكرنا عنهم ، في كتاب اختلافهم .

[ ص: 108 ] 35609 - وقال أبو حنيفة : يقيم الحدود على العبيد والإماء السلطان دون المولى ، في الزنا ، وفي سائر الحدود .

35610 - وهو قول الحسن بن حي .

35611 - وقال الثوري ، في رواية الأشجعي عنه : يحده المولى في الزنا ، وفي سائر الحدود .

35612 - وهو قول الأوزاعي .

35613 - وقال الشافعي : يحده المولى ، في كل حد .

35614 - وهو قول أحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور .

35615 - واحتج الشافعي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا زنت أمة أحدكم ، فليجلدها " . وقوله صلى الله عليه وسلم : " أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " .

35616 - وروي عن جماعة من الصحابة ، أنهم أقاموا الحدود ، على ما ملكت أيمانهم ؛ منهم ابن عمر ، وابن مسعود ، وأنس ، ولا مخالف لهم من الصحابة .

35617 - وروي عن أبي ليلى ، أنه قال : أدركت بقايا الأنصار يضربون الوليدة من ولائدهم ، إذا زنت في مجالسهم .

[ ص: 109 ] 35618 - وروى الثوري ، عن عبد الأعلى ، عن أبي جميلة عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " .

35619 - وحجة أبي حنيفة ، ما روي عن الحسن ، وعبد الله بن محيريز ، ومسلم بن يسار ، وعمر بن عبد العزيز ، وغيرهم ، أنهم قالوا : الجمعة ، والزكاة ، والحدود ، والفيء ، والحكم ، إلى السلطان .

35620 - وأما قوله صلى الله عليه وسلم ، في حديث هذا الباب : " ثم بيعوها ولو بضفير " . فهذا على وجه الاختيار ، والحض على مساعدة الزانية ؛ لما في ذلك من الاطلاع ، وبما على المنكر ، وأنه كالرضا به .

35621 - وقد قالت أم سلمة ، في حديثها : يا رسول الله ، أنهلك ، وفينا الصالحون ؟ ! قال : " نعم إذا كثر الخبث " .

[ ص: 110 ] 35622 - والخبث في هذا الحديث ، عن أهل العلم ، أولاد الزنا ، وإن كانت اللفظة محتملة لذلك ، ولغيره .

35623 - وقد احتج بهذا الحديث ، من لم ير نفي العبيد ؛ لأنه ذكر فيه الجلد ، ولم يذكر نفيا .

35624 - وقال أهل الظاهر بوجوب بيعها إذا زنت بعد جلدها الرابعة ، منهم داود ، وغيره . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية