الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1567 [ ص: 117 ] باب الحد في القذف والنفي والتعريض

1542 - مالك ، عن أبي الزناد ؛ أنه قال : جلد عمر بن عبد العزيز عبدا في فرية ثمانين .

قال أبو الزناد : فسألت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن ذلك ؟ فقال : أدركت عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، والخلفاء هلم جرا . فما رأيت أحدا جلد عبدا ، في فرية ، أكثر من أربعين .


35659 - قال أبو عمر : روى سفيان الثوري ، عن عبد الله بن ذكوان ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، قال : كان أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، [ ص: 118 ] وعثمان بن عفان ، لا يجلدون العبد في القذف إلا أربعين ، ثم رأيتهم يزيدون على ذلك .

35660 - قال أبو عمر : قوله : ثم رأيتهم ، يعني الأمراء بالمدينة ، ليس الخلفاء الثلاثة الذين ذكرهم .

35661 - وقد روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه كان يجلد العبد في الفرية أربعين ، من كتاب ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق ، وغيرهما .

35662 - واختلف أهل العلم في العبد يقذف الحر ، كم يضرب ؟

35663 - فقال أكثر العلماء : حد العبد في القذف أربعون جلدة ، سواء قذف حرا أو عبدا ؛ روي ذلك عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن عباس .

35663 - وروى الثوري ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن عليا قال : يجلد العبد في الفرية أربعين .

35664 - وبه قال سعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، وعطاء بن أبي رباح ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، وطاوس ، والحكم ، وحماد ، وقتادة ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله .

[ ص: 119 ] 35665 - وإليه ذهب مالك ، والليث ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق .

35666 - وحجتهم القياس للعبيد على الإماء ؛ لقول الله عز وجل في الإماء : ( فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) [ النساء : 25 ] .

35667 - وروي عن ابن مسعود ، أنه قال في عبد قذف حرا : يجلد ثمانين .

35668 - وبه قال عمر بن عبد العزيز ، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وقبيصة بن ذؤيب ، وابن شهاب الزهري ، والقاسم بن محمد .

35670 - حدثني خلف بن قاسم ، قال : حدثني محمد بن القاسم بن شعبان ، قال : حدثني أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا أحمد بن مسعدة ، قال : أخبرنا سليم بن أخضر ، عن ابن عون ، وعوف ، أن عمر بن عبد العزيز ، كتب في المملوك يقذف الحر ؛ قال : يجلد ثمانين .

35671 - وذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني أبو أسامة ، قال : حدثني جرير بن حازم ، قال : قرأت كتاب عمر بن عبد العزيز ، إلى عدي بن أرطأة : أما بعد ؛ فإنك كتبت إلي تسأل عن العبد يقذف الحر ، كم يجلد ؟ وذكرت أنه بلغك أني كنت أجلده ، إذا زنى بالمدينة أربعين جلدة ، ثم جلدته في آخر عملي ثمانين جلدة ، فإن جلدي الأول كان رأيا رأيته ، وإن جلدي الآخر وافق كتاب الله تعالى ، فاجلده ثمانين جلدة .

[ ص: 120 ] 35672 - قال : حدثني ابن مهدي ، عن سفيان ، عن عبد الله بن أبي بكر ، قال : ضرب عمر بن عبد العزيز العبد في القذف ثمانين .

35673 - قال أبو عمر : ظن داود ، وأهل الظاهر أن عمر بن عبد العزيز ، ومن قال بقوله إنما جلد العبد في القذف ثمانين ؛ فرارا عن قياس العبيد على الإماء ، وليس كذلك ، بل المعنى الذي ذهبوا إليه نفس القياس ؛ لأن الله عز وجل أمر في كل من قذف محصنة أن يجلد ثمانين جلدة ، إلا أن يأتي بأربعة شهداء .

35674 - والمحصنات لا يدخل فيهن المحصنون إلا بالقياس ، وقد أجمع علماء المسلمين أن المحصنين في ذلك كلهم حكمهم في ذلك حكم المحصنات قياسا ، وأن من قذف حرا عفيفا مسلما ، كمن قذف حرة عفيفة مسلمة .

35675 - هذا ما لا خلاف فيه بين أحد من علماء هذه الأمة ؛ فمن رأى الحد حقا يجب للمقذوف ، سواء كان حرا أو عبدا ، قال : حد القاذف للحر المسلم البالغ ، ثمانون جلدة ، حرا كان أو عبدا ؛ لأن الله تعالى لم يخص قاذفا حرا من قاذف عبد ، إذا كان المقذوف حرا مسلما ، فليس هاهنا نفي قياس لمن أنعم النظر ، وسلم من الغفلة ، ومن قال : الحد إنما يراعى فيه القاذف ، فإن كان عبدا حد حد العبيد ، كما يضرب في الزنا نصف حد الحر ، إنما يراعى فيه القاذف ، وهذا تصريح بالقياس ، وهو قول الخلفاء الراشدين ، وجمهور علماء المسلمين . وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية