الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
210 [ ص: 308 ] ( 15 ) باب ما يفعل من سلم من ركعتين ساهيا

181 - 182 - ذكر فيه مالك حديث أبي هريرة في قصة ذي [ ص: 309 ] اليدين مسندا من طريقين : عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، [ ص: 310 ] وعن داود بن الحصين ، عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد ، عن أبي هريرة ، وفيهما جميعا قوله - عليه السلام - : " أصدق ذو اليدين ؟ " .

183 - 184 - وذكر الحديث عن ابن شهاب بإسنادين مرسلين ، [ ص: 311 ] وقال فيه : فقال ذو الشمالين مرتين ، وفيه فقال : " أصدق ذو اليدين ؟ " أيضا .


5216 - وليس يأتي ذكر ذي الشمالين في هذا الحديث إلا عن ابن شهاب ، ولم يتابع عليه . والله أعلم .

5217 - وسائر الآثار إنما فيها ذو اليدين ليس فيها ذو الشمالين .

5218 - قال ابن وضاح : قد قيل : إن ذا اليدين استشهد يوم بدر ، وإسلام أبي هريرة كان يوم خيبر .

5219 - قال أبو عمر : هو كما قال ابن وضاح إلا أن الذي استشهد يوم بدر ذو الشمالين ، لا ذو اليدين .

5220 - ونحن نبين ما في ذلك من معاني العلم هنا - إن شاء الله - : 5221 - أجمع المسلمون أن الكلام في الصلاة عمدا إذا كان المصلي يعلم أنه [ ص: 312 ] في صلاة ، ولم يكن ذلك في إصلاح صلاته - تفسد صلاته ، إلا الأوزاعي ; فإنه قال : من تكلم في صلاته لإحياء نفس ، أو مثل ذلك من الأمور الجسام - لم تفسد بذلك صلاته ، ومضى عليها .

5222 - وذكر الوليد بن مزيد وغيره عنه قال : لو نظر المصلي إلى غلام يريد أن يسقط في بئر أو مكان ، فصاح به - لم يكن عليه بأس أن يتم صلاته .

5223 - قال : وكذلك لو رأى ذئبا يثب على غنمه ، فصاح به - أتم ما بقي من صلاته .

5224 - قال أبو عمر : لم يتابعه أحد على قوله هذا ، وهو قول ضعيف ترده السنن والأصول ، قال الله - تعالى - : " وقوموا لله قانتين " [ سورة البقرة : 238 ] .

5225 - قال زيد بن أرقم : كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت " وقوموا لله قانتين " ، فأمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام .

[ ص: 313 ] [ ص: 314 ] 5226 - وقال ابن مسعود : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله يحدث من أمره ما شاء ، وإن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة " .

[ ص: 315 ] 5227 - وقال معاوية بن الحكم السلمي : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام إنما هو التسبيح والتهليل والتحميد وقراءة القرآن " .

[ ص: 316 ] 5228 - وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في التمهيد .

5229 - وأجمعوا على أن تحريم الكلام في الصلاة جملة إلا ما نذكره بعد عنهم - إن شاء الله - .

5230 - وليس قول الأوزاعي بشيء ; لأن إغاثة الملهوف وما أشبهه ليست تمنع من استئناف الصلاة ، ولا توجب البناء على ما مضى منها ; إذ ذلك الفعل مباين لها مفسد قاطع ; فإنه يطابق النهي .

5231 - وفي موافقة الأوزاعي للجماعة فيمن تكلم عامدا في صلاته بغير ما ذكر : أنها قد فسدت عليه ويلزمه استئنافها - ما يدل على فساد قوله ; لأن النهي عن كلام الناس فيها عام ، فما لم يخرج منه بالدليل الواضح فهو على أصل التحريم . وبالله التوفيق .

[ ص: 317 ] 5232 - وأما اختلاف فقهاء الأمصار في الذي يتكلم وقد سلم من صلاته قبل أن يتمها وهو يظن أنه قد أتمها - فإن مالكا وأصحابه اختلفوا في ذلك :

5233 - فروى سحنون عن ابن القاسم ، عن مالك ، قال : لو أن قوما صلى بهم رجل ركعتين ، وسلم ساهيا ; فسبحوا به ، فلم يفقه ، فقال له رجل من خلفه ممن هو معه في الصلاة : إنك لم تتم ، فأتم صلاتك ، فالتفت إلى القوم ، فقال : أحق ما يقول هذا ؟ فقالوا : نعم - قال : يصلي بهم الإمام ما بقي من صلاتهم ، ويصلون معه بقية صلاتهم : من تكلم منهم ، ومن لم يتكلم ، ولا شيء عليهم ، ويفعلون في ذلك ما فعل النبي - عليه السلام - يوم ذي اليدين .

5234 - هذا قول ابن القاسم في كتبه " الأسدية " ، وروايته عن مالك ، وهو [ ص: 318 ] المشهور من مذهب مالك عند أكثر أصحابه ، وبه قال إسماعيل بن إسحاق ، واحتج له في كتاب رده على محمد بن الحسن .

5235 - وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم ، قال عيسى : سألت ابن القاسم عن إمام فعل اليوم كفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم ذي اليدين ، وتكلم أصحابه على نحو ما تكلم أصحاب النبي - عليه السلام - يوم ذي اليدين ، فقال ابن القاسم : يفعل كما فعل النبي - عليه السلام - يوم ذي اليدين ، ولا يخالفه في شيء من ذلك ; لأنها سنة سنها عليه السلام .

5236 - زاد العتبي في هذه عن عيسى ، عن ابن القاسم ، قال : وليرجع الإمام فيما شك فيه إليهم ، ويتم معهم ، وتجزيهم .

5237 - قال عيسى : قال ابن القاسم : لو أن إماما قام من أربع ، أو جلس في ثالثة ، فسبح به ، فلم يفقه ، فكلمه رجل ممن خلفه - كان محسنا ، وأجزته صلاته .

5238 - قال عيسى : وقال ابن كنانة : لا يجوز لأحد اليوم ما جاز لمن كان يومئذ مع النبي - عليه السلام - ; لأن ذا اليدين ظن أن الصلاة قد قصرت ، فاستفهم عن ذلك ، وقد علم الناس اليوم أن قصرها لا ينزل ; فعلى من تكلم الإعادة .

5239 - قال عيسى : فقرأته على ابن القاسم ، فقال : ما أرى في هذا حجة ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كل ذلك لم يكن ، فقالوا له : بلى ; فقد كلموه عمدا [ ص: 319 ] بعد علمهم أنها لم تقصر .

5240 - قال عيسى : وقال لي ابن وهب : إنما ذلك كان في أول الإسلام ، ولا أرى لأحد أن يفعله اليوم .

5241 - قال أبو عمر : أما كلام القوم للنبي - عليه السلام - بعد أن سمعوه يقول : " لم تقصر الصلاة ، ولم أنس " - فمختلف فيه ، ولا حجة لمن نزع به ; لأن حماد بن زيد - هو أثبت الناس في أيوب - روى حديث ذي اليدين عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، قال فيه : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أحق ما يقول ذو اليدين ؟ " ، فأومئوا إي نعم ، فبان بهذا أنهم لم يتكلموا بعد أن سمعوا النبي - عليه السلام - يقول " لم تقصر الصلاة ، ولم أنس " ، ولكنهم أومئوا إي نعم ، فعبر المحدث عن الإيماء بالقول .

5242 - والعرب قد تفعل ذلك فيما لا يصح منه القول ; فالإيماء بذلك أحرى ممن يصح قوله إذا منع من الكلام ، وتحريم الكلام في الصلاة مجتمع عليه ; فلا يباح برواية مختلف فيها .

5243 - وقال يحيى بن يحيى ، عن ابن نافع : لا أحب لأحد أن يفعل مثل ذلك اليوم ، فإن فعل لم آمره أن يستأنف .

5244 - وروى أبو قرة موسى بن طارق عن مالك مثل قول ابن [ ص: 320 ] نافع خلاف رواية ابن القاسم .

[ ص: 321 ] 5245 - قال أبو قرة : سمعت مالكا يستحب إذا تكلم الرجل في الصلاة أن يعود لها ولا يبني .

5246 - قال : وقال لنا مالك : إنما تكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتكلم أصحابه معه يومئذ ; لأنهم ظنوا أن الصلاة قد قصرت ، ولا يجوز ذلك لأحد اليوم .

5247 - وروى أشهب عن مالك أنه قيل له : أبلغك أن ربيعة بن عبد الرحمن صلى خلف إمام ، فأطال التشهد ، فخاف ربيعة أن يسلم - وكان على الإمام سجود السهو قبل السلام - ، فكلمه ربيعة ; فقال : إنهما قبل السلام ؟ فقال : ما بلغني ، ولو بلغني ما تكلمت به ، أنتكلم في الصلاة ؟ .

5248 - وقد ذكرنا في التمهيد وجوه الروايات عن مالك وأصحابه في هذا الباب .

[ ص: 322 ] 5249 - وروى ابن وضاح عن الحارث بن مسكين ، قال : أصحاب [ ص: 323 ] مالك كلهم على خلاف ما رواه ابن القاسم عن مالك في مسألة ذي اليدين ، ولم يقل بقوله إلا ابن القاسم وحده ، وغيره يأبونه ، ويقولون : إنما كان ذلك في أول الإسلام ، وأما الآن فقد عرف الناس الصلاة ، فمن تكلم فيها أعادها .

5250 - وأما الشافعي فقال في حديث ذي اليدين : لا يشك مسلم أن النبي - عليه السلام - لم ينصرف إلا وهو يرى أنه قد أكمل الصلاة ، وظن ذو اليدين أن الصلاة قد قصرت بحادث من الله ، ولم يقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذي اليدين ; إذ سأل غيره ، ولما سأل غيره احتمل أن يكون سأل من لم يسمع كلام ذي اليدين ، فيكون في معنى ذي اليدين ، واحتمل أن يكون سأل من سمع كلامه ولم يسمع النبي - عليه السلام - رده عليه ، كان في معنى ذي اليدين من أنه لم يدر : أقصرت الصلاة أم نسي ، فأجابه ، ومعناه معنى ذي اليدين ، مع أن الفرض عليهم جوابه .

5251 - ألا ترى أن النبي - عليه السلام - لما أخبروه فقبل قوله - لم يتكلم ، ولم يتكلموا حتى بنوا على صلاتهم ؟ قال : فلما قبض رسول الله - عليه السلام - تناهت الفرائض ، فلا يزاد فيها ولا ينقص منها أبدا .

[ ص: 324 ] 5252 - قال : فهذا فرق ما بيننا وبينه إذا كان أحدنا إماما اليوم .

5253 - قال أبو عمر : أما قول الشافعي مع أن الفرض عليهم جوابه - فموجود في حديث أبي سعيد بن المعلى ، قال : كنت أصلي ، فناداني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم أجبه حتى قضيت صلاتي ، فأتيته ، فقال : " ما منعك أن تجيبني ؟ " قلت : كنت أصلي ، قال : ألم يقل الله : " استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم " ؟ 5254 - وهو حديث يرويه شعبة عن حبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص ، عن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى . وهو محفوظ من حديث العلاء عن أبيه ، عن أبي هريرة لأبي بن كعب .

5255 - وقد تقدم فيما مضى من هذا الكتاب . وفيه أن مجاوبة النبي - عليه السلام - واجبة على العموم في الصلاة وغيرها .

5256 - وفي ذلك دليل على أن ذا اليدين وأصحابه مخصوصون بذلك ، ما كان - عليه السلام - حيا فيهم . وقد يحتمل أن تكون إجابته في الصلاة إشارة ، كما كان - عليه السلام - يصنع في الصلاة وهو في مسجد قباء بالأنصار ; إذ دخلوا ، فسلموا عليه ، وهو يصلي فكان يشير .

[ ص: 325 ] 5257 - قال أبو عمر : الخلاف بين مالك والشافعي في هذه المسألة إنما هو أن مالكا يقول في رواية ابن القاسم عنه : لا يفسد الصلاة تعمد الكلام فيها إذا كان ذلك في صلاحها وشأنها .

5258 - وهو قول ربيعة وابن القاسم ، وإليه ذهب إسماعيل بن إسحاق .

5259 - وقال الشافعي وأصحابه وسائر أصحاب مالك : إن المصلي إذا تعمد الكلام وهو في الصلاة عالما أنه لم يتمها فقد أفسد صلاته ، فإن تكلم ساهيا ، أو تكلم وهو يظن أنه قد أكمل صلاته وأنه ليس في صلاة عند نفسه - فهذا يبني ، ولا يفسد عليه كلامه ذلك صلاته .

5260 - وقال أحمد بن حنبل فيما حكى عنه أبو بكر الأثرم : ما تكلم به الإنسان في صلاته لإصلاحها لا يفسد عليه صلاته ، وإن تكلم لغير ذلك فسدت عليه صلاته .

5261 - وقال في موضع آخر : سمعت أحمد بن حنبل يقول في قصة ذي [ ص: 326 ] اليدين : إنما تكلم ذو اليدين وهو يرى أن الصلاة قد قصرت ، وتكلم النبي - عليه السلام - وهو دافع لقول ذي اليدين ، وكلم القوم فأجابوه ; لأنه كان عليهم أن يجيبوه .

5261 م - قال أبو عمر : وهذا نحو ما قاله الشافعي في ذلك .

5262 - وذكر الخرقي أن مذهب أحمد بن حنبل الذي تحصل عليه - قوله فيمن تكلم عامدا أو ساهيا في صلاته : بطلت صلاته إلا الإمام خاصة ; فإنه إذا تكلم ليصلح صلاته لم تبطل صلاته .

5263 - وقد ذكرنا مذهب الأوزاعي فيما مضى ، وقال الأوزاعي أيضا : لو أن رجلا قال لإمام جهر بالقراءة في العصر : إنها العصر ، لم يكن عليه شيء .

[ ص: 327 ] 5264 - قال أبو عمر : لو كان هذا ما احتاج أحد إلى التسبيح في الصلاة ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من نابه شيء في صلاته فليسبح " .

5265 - وقال عليه السلام : " إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح ، وتلاوة القرآن " .

5266 - وكلام الأوزاعي في هذا الباب عند الفقهاء وهم وخطأ ليس بصواب .

5267 - وقد أجمع العلماء على أن السلام في الصلاة قبل تمامها عمدا يفسدها ; فالكلام بذلك أحرى . والله أعلم .

[ ص: 328 ] 5268 - وأما الكوفيون : أبو حنيفة وأصحابه والثوري - فذهبوا إلى أن الكلام في الصلاة على كل حال : سهوا كان أو عمدا ، لصلاح كان أو لغير ذلك - يفسد الصلاة .

5269 - واختلف أصحاب أبي حنيفة في السلام فيها ساهيا قبل تمامها :

5270 - فبعضهم أفسد صلاة المسلم فيها ساهيا ، وجعله كالمتكلم عامدا .

5271 - وبعضهم لم يفسدها بالسلام ساهيا .

5272 - وكلهم يفسدها بالكلام عامدا ، وهو قول إبراهيم النخعي ، وعطاء ، والحسن ، وحماد بن أبي سليمان ، وقتادة .

5273 - وزعم أصحاب أبي حنيفة أن حديث ذي اليدين منسوخ بحديث زيد بن أرقم وابن مسعود الذي ذكرنا .

5274 - قالوا : وفي حديث زيد بن أرقم ، وابن مسعود بيان أن الكلام كان مباحا في الصلاة ثم نسخ .

5275 - قالوا : فحديث أبي هريرة منسوخ في قصة ذي اليدين بما جاء في حديث ابن مسعود وزيد بن أرقم .

5276 - قالوا : وإن كان أبو هريرة متأخر الإسلام ، فإنه أرسل حديث ذي اليدين عن النبي - عليه السلام - كما كان يفعله هو وغيره من الصحابة بما سمعه بعضهم من بعض .

[ ص: 329 ] 5277 - لأنه جائز للصاحب إذا حدثه صاحب من الصحابة بما سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحدث به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يقل : سمعت .

5278 - واحتجوا بأن ابن عباس ومن كان مثله قد حدثوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما أخبروا عن أصحابه عنه ، وهو عند الجميع مسند صحيح .

5279 - ألا ترى إلى حديث أبي هريرة عن النبي - عليه السلام - فيمن أدركه الفجر وهو جنب : " إنه لا صوم له " ، فلما وقف عليه سئل : هل سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : لا علم لي ، إنما أخبرنيه مخبر . ؟ .

5280 - وقال أنس : ما كل ما نحدثكم به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعناه منه ، ولكن منه ما سمعنا ، ومنه ما أخبرنا أصحابنا .

5281 - وكل حديث الصحابة مقبول عند جماعة العلماء على كل حال .

5282 - قالوا : فغير نكير أن يحدث أبو هريرة بقصة ذي اليدين وإن لم يشهدها ، قالوا : ومما يدل على أن حديث أبي هريرة في ذلك منسوخ أن ذا اليدين قتل يوم بدر .

5283 - واحتجوا بما رواه ابن وهب عن العمري ، عن نافع ، عن ابن عمر أن إسلام أبي هريرة كان بعد موت ذي اليدين .

5284 - قالوا : وهذا الزهري مع علمه بالأثر والسير ، وهو الذي لا نظير له بالأثر في ذلك - يقول : إن قصة ذي اليدين كانت قبل بدر . حكاه معمر وغيره عن الزهري .

5285 - قال الزهري : ثم استحكمت الأمور بعد .

[ ص: 330 ] 5286 - قال أبو عمر : أما ما ادعاه العراقيون من أن حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين منسوخ بحديث ابن مسعود وزيد بن أرقم - فغير مسلم لهم ما ادعوا من نسخه ، ولكنه خص من تحريم الكلام معنى ما تضمنه ; لأن حديث أبي هريرة يوم ذي اليدين كان في المدينة ، وقد شهده أبو هريرة ، وإسلامه كان عام خيبر . هذا مما لا خلاف بين العلماء فيه .

5287 - فإن قيل : كيف يصح الاحتجاج بحديث ابن مسعود في تحريم الكلام في الصلاة بمكة ، وزيد بن أرقم رجل من الأنصار يقول : كنا نتكلم في الصلاة ، يكلم الرجل منا صاحبه في الحاجة حتى نزلت " وقوموا لله قانتين " [ البقرة : 238 ] ، فأمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام . ومعلوم أن سورة البقرة مدنية ؟ .

5288 - فالجواب أن ابن مسعود ممن هاجر من مكة إلى أرض الحبشة في جماعة من هاجر إليها من الصحابة ، وأنه من الجماعة المنصرفين من الحبشة إلى مكة حين بلغهم أن قريشا دخلوا في الإسلام ، وكان الخبر كاذبا ، فأقبلوا إلى مكة في حين كون بني هاشم وبني المطلب في الشعب ، ووجدوا قريشا أشد ما كانوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، ثم أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن أمر من أصحابه بالهجرة إلى المدينة ، فهاجر إلى المدينة ، ثم شهد بدرا مع من شهدها منهم ، إلا أن حديثه من رواية عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يرد عليه السلام يومئذ بمكة وهو يصلي ، فقال له : " إن الله أحدث ألا تكلموا في الصلاة " - قد وهم في ألفاظه عاصم ، وكان سيئ الحفظ عندهم ، كثير الخطأ ، لا يحتج بحديثه فيما [ ص: 331 ] خولف فيه .

[ ص: 332 ] 5289 - وحديثه حدثناه سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال ; حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : كنا نسلم على النبي - عليه السلام - في الصلاة قبل أن نأتي أرض الحبشة ، فيرد علينا ، فلما رجعنا سلمت عليه وهو يصلي ، فلم يرد علي ، فأخذني ما قرب وما بعد ، فجلست حتى قضى النبي - عليه السلام - صلاته ، فقال : يا رسول الله ، سلمت عليك وأنت تصلي فلم ترد علي ، فقال : " إن الله يحدث من أمره ما يشاء ، وإن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة " .

5290 - قال سفيان : هذا أجود ما وجدنا عند عاصم في هذا الوجه .

5291 - قال أبو عمر : قد روى هذا الحديث شعبة عن عاصم على خلاف معنى حديث ابن عيينة ، ولم يقل فيه : إن ذلك كان منه في حين انصرافه من أرض الحبشة ، بل ظاهره ومساقه يحتمل أن يكون كان ذلك منه بالمدينة ، فيكون في معنى حديث ابن أرقم .

[ ص: 333 ] 5292 - حدثنا سعيد ، حدثنا قاسم ، حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، حدثنا عمرو بن مرزوق ، قال : أخبرنا شعبة عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال : أتيت النبي - عليه السلام - وهو يصلي ، فسلمت ، فلم يرد علي ، فلما قضى صلاته ، قال : " إن الله يحدث ما شاء ، وإن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة .

5293 - فلم يذكر شعبة أن كلامه ذلك كان منه بمكة ، وقد رواه الأعمش عن أبي وائل ، عن ابن مسعود ، فذكر انصرافه من أرض الحبشة إلى مكة ، ولم يذكر أن سلامه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة كان بمكة .

5294 - وقد روي عن الأعمش بخلاف ذلك في الإسناد والمعنى .

5295 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، حدثنا محمد بن بكر بن داسة ، قال : حدثنا أبو داود ، حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، قال : حدثنا فضيل عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : كنا نسلم على النبي - عليه السلام - وهو في الصلاة ، فيرد علينا ، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه ، فلم يرد علينا ، وقال لنا : " إن في الصلاة لشغلا " .

5296 - وهذا الحديث إنما فيه كراهية السلام على المصلي . وقد روى هذا الحديث كلثوم بن المصطلق الخزاعي عن ابن مسعود ، ولم يقل فيه : إن ذلك كان منه في حين انصرافه من أرض الحبشة .

[ ص: 334 ] 5297 - أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد ، قال : أخبرنا حمزة بن محمد بن علي ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب النسائي ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي ، قال : أخبرنا ابن أبي عيينة والقاسم بن زيد الجرمي عن سفيان ، عن الزبير بن عدي ، عن كلثوم عن عبد الله بن مسعود .

5298 - وهذا الحديث للقاسم ، قال : كنت آتي النبي - عليه السلام - وهو يصلي ، فأسلم عليه ، فيرد علي ، فأتيته وهو يصلي ، فسلمت عليه ، فلم يرد علي ، فلما سلم أشار إلى القوم ، فقال : " إن الله أحدث في الصلاة ألا تكلموا فيها إلا بذكر الله ، وأن تقوموا لله قانتين " .

5299 - وهذا حديث مستقيم صحيح في معنى حديث زيد بن أرقم ، ليس فيه ما يخالفه .

5300 - حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا محمد بن عيسى ، حدثنا هشيم ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن شبيل ، عن أبي عمرو الشيباني ، عن زيد بن أرقم ، قال : كان أحدنا يكلم الرجل إلى جنبه في الصلاة ، فنزلت " وقوموا لله قانتين " [ البقرة : 238 ] ، ثم أمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام .

5301 - قال أبو عمر : زيد بن أرقم أنصاري ، وسورة البقرة مدنية .

[ ص: 335 ] 5302 - حدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا إسماعيل بن مسعود ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، قال : حدثنا الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني ، عن زيد بن أرقم ، قال : كان الرجل يكلم صاحبه في الصلاة بالحاجة على عهد النبي - عليه السلام - حتى نزلت " وقوموا لله قانتين " [ البقرة : 238 ] ، فأمرنا بالسكوت .

5303 - وأما قولهم : إن أبا هريرة لم يشهد ذلك ; لأنه كان قبل بدر ، وإسلام أبي هريرة كان عام خيبر ، فالجواب أن أبا هريرة أسلم عام خيبر كما ذكرنا ، ولكنه قد شهد هذه القصة وحضرها ; لأنها لم تكن قبل بدر ، وحديث أبي هريرة [ ص: 336 ] يوم ذي اليدين محفوظ من رواية الحفاظ الثقات ، وليس تقصير من قصر عن ذكر ذلك في حديثه في قصة ذي اليدين بحجة على من حفظه وذكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية