الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1572 [ ص: 151 ] ( 7 ) باب ما يجب فيه القطع

1548 - مالك عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم .

[ ص: 152 ] 1549 - مالك ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا قطع في ثمر معلق ، ولا في حريسة جبل فإذا آواه المراح أو الجرين فالقطع فيما يبلغ ثمن المجن " .

1550 - مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ؛ أن سارقا سرق في زمان عثمان أترجة ، فأمر بها عثمان بن عفان أن تقوم ، فقومت بثلاثة دراهم ، من صرف اثني عشر درهما بدينار ، فقطع عثمان يده .

[ ص: 153 ] 1551 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أنها قالت : ما طال علي وما نسيت : " القطع في ربع دينار فصاعدا " .

35834 - وقال مالك : أحب ما يجب فيه القطع إلي ، ثلاثة دراهم ، وإن ارتفع الصرف أو اتضع ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع مجن قيمته ثلاثة دراهم وأن عثمان بن عفان قطع في أترجة قومت بثلاثة دراهم . وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك .


[ ص: 154 ] 35835 - قال أبو عمر : أدخل مالك - رحمه الله - في أول هذا الباب الحديث المسند الصحيح الإسناد ؛ حديث ابن عمر ، وهذا أثبت ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في معناه ، وهو يوجب القطع في كل عرض مسروق يبلغ ثمنه ثلاثة دراهم .

35836 - وأردفه بالحديث المرسل ، ومراسيل الثقات عندهم صحاح ، يجب العمل بها ، وهو مع هذا يستند من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، رواه الثقات ، عن عمرو بن شعيب ؛ منهم : عمرو بن الحارث ، وهشام بن سعد ، ومحمد بن إسحاق .

35837 - حدثني سعيد بن نصر ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني محمد بن وضاح ، قال : حدثني أبو بكر ، قال : حدثني عبد الله بن إدريس ، قال : حدثني محمد بن إسحاق ، قال : وحدثني عبد الوارث بن سفيان واللفظ لحديثه ، قال : وحدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني ابن وضاح ، قال : حدثني سحنون ، قال : حدثني ابن وهب ، قال : أخبرني هشام بن سعد ، وعمرو بن الحارث ، ثم اتفقا عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " لا قطع في ثمر معلق ، ولا في حريسة جبل ، فإذا أواه المراح والجرين ، فالقطع فيما بلغ ثمن المجن " .

[ ص: 155 ] 35838 - قال أبو عمر : كأن مالكا - رحمه الله - إنما أراد بإدخاله هذا الحديث بإثر حديث ابن عمر البيان أن المجن المذكور فيه هو الذي روى ابن عمر ، أن ثمنه ثلاثة دراهم ، ردا على الكوفيين الذين يرون أن ثمن المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عشرة دراهم ، ثم أردفه بحديث عثمان - رضي الله عنه - أنه قطع في ثمن أترجة قومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما - يعني بدينار - ثم أردف ذلك بحديث عائشة ؛ قولها : ما طال علي ، وما نسيت ، والقطع في ربع دينار فصاعدا ، تريد ثلاثة دراهم من الصرف المذكور ، ثم اختار القطع ، فيما بلغ ثلاثة دراهم ، واستحبه دون مراعاة ربع دينار ذهبا ، في تقويم العروض المسروقة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم عثمان بعده ، إنما قوم المجن ، والأترجة بالثلاثة دراهم ، لا بربع دينار ذهبا .

35839 - وتحصيل مذهبه ، أنه لا يرد الذهب إلى الفضة بالقيمة ، ولا ترد الفضة إلى الذهب بالقيمة ، ومن سرق من الذهب ربع دينار فصاعدا فعليه القطع ، ومن سرق من الفضة ثلاثة دراهم فصاعدا ، فعليه القطع ولو سرق [ ص: 156 ] السارق درهمين ؛ صرفهما ربع دينار ، لم يجب عليه قطع ، ومن سرق ما عداهما من العروض كلها ، قومت سرقته بالثلاثة دراهم ، لا بربع دينار ، ارتفع الصرف بذلك أو انخفض .

35840 - وبهذا كله قال أحمد بن حنبل ، إلا أن أحمد يقول : من سرق من العروض ما يبلغ ثمنه ثلاثة دراهم ، أو ربع دينار قطع ، ولا يقطع في الدراهم ، حتى تكون ثلاثة دراهم ، ولا في الذهب ، حتى يكون ربع دينار .

35841 - وهو قول إسحاق ، في رواية .

35842 - وأما الشافعي - رحمه الله - فإنما عزل ، واحتمل على حديث عائشة ، في ربع دينار من الورق - لا يساوي ربع دينار ذهبا - لم يجب عليه القطع ؛ لأن الثلاثة دراهم إنما ذكرت في الحديث ؛ لأنها كانت يومئذ ربع دينار ذهبا . وذلك بين في حديث عثمان في الأترجة ، إذ قال : من صرف اثني عشر درهما ، ومن سرق شيئا من العروض كلها - على اختلاف أجناسها - لم تقوم سرقته إلا بربع دينار ذهبا ، ارتفع الصرف أو انخفض ، إلا بالثلاثة الدراهم .

35843 - وحجته في ذلك ، قول عائشة : ما طال علي ، وما نسيت : " القطع في ربع دينار فصاعدا " . وذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية الثقات .

[ ص: 157 ] 35844 - وقد روي عن إسحاق مثل قول الشافعي .

35845 - وبه قال أبو ثور ، وداود : كلهم يقدروا بدينار في تقويم العروض المسروقة ، وفي الصرف أيضا ، ارتفع الصرف أو اتضع .

35846 - وقوله [ . . . . . . . . . . . . . ] كالشافعي سواء .

35847 - والحجة للشافعي وأبي ثور وداود ومن قال بقولهم ، ما حدثناه سعيد بن نصر ، وعبد الوارث ، قالا : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني ابن وضاح ، قال : حدثني أبو بكر ، قال : حدثني يزيد بن هارون ، قال : حدثني ابن كثير ، وإبراهيم بن سعد ، قالا جميعا : أخبرنا الزهري ، عن عمرة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " القطع في ربع دينار فصاعدا " .

[ ص: 158 ] 35848 - وحدثاني ، قالا : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني محمد بن إسماعيل ، قال : حدثني الحميدي ، قال : حدثني سليمان ، قال : حدثني أربعة عن عمرة ، عن عائشة ، لم يرفعوه ؛ عبد الله بن أبي بكر ، ورزيق بن حكيم ، ويحيى ، وعبد ربه ابنا سعيد ، إلا أن في حديث يحيى ، ما دل على أن الرفع قولها : ما طال علي وما نسيت : " القطع في ربع دينار فصاعدا " .

35849 - قال : وحدثني الزهري - وكان أحفظهم - قال : حدثتني عمرة ، عن عائشة ، أنها سمعتها تقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقطع في ربع دينار فصاعدا ، فرفعه الزهري وهو أحفظهم .

35850 - وهذا كله كلام ابن عيينة .

35851 - وكذلك رواه معمر ، وسائر أصحاب الزهري ، عنه ، عن عمرة ، عن عائشة ، مرفوعا .

35852 - ذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عمرة ، عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا " .

[ ص: 159 ] 35853 - ورواه الليث بن سعد ، عن ابن الهادي ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمرة ، عن عائشة ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا " .

35854 - قال أبو عمر : حديث ابن شهاب الزهري ، وأبي بكر بن محمد ، عن عمرة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أصح ما في هذا الباب .

35855 - وبه قال عمر بن عبد العزيز ، والليث بن سعد ، والأوزاعي ، والشافعي وأصحابه .

35856 - وإليه ذهب أبو ثور ، وداود .

35857 - وقال داود : ليس في حديث ابن عمر ؛ لأن الثلاثة دارهم كانت ربع دينار .

35858 - قال : ولو خالف ابن عمر لحديث عائشة ؛ لأنها حكته عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وابن عمر إنما أخبر أن قيمة المجن كانت ثلاثة دارهم ، ولم يذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .

35859 - وروي مثل قول الشافعي في هذا الباب ، عن عمر ، وعثمان ، وعلي - رضي الله عنهم - وهي منقطعة ، وأحسنها حديث علي .

35860 - حدثناه عبد الوارث ، قال : حدثني قاسم ، قال : حدثني محمد بن [ ص: 160 ] عبد السلام ، قال : حدثني محمد بن بشار ، قال : حدثني يحيى بن سعيد ، عن جعفر بن محمد عن أبيه ، أن عليا - رضي الله عنه - قطع في ربع دينار ، درهمين ونصف .

35861 - وذكر أبو بكر ، قال : حدثني عبد الرحمن ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبي بكر بن محمد ، قال : أتي عثمان - رضي الله عنه - في رجل سرق أترجة ، فقومها بربع دينار ، فقطع يده .

35862 - قال أبو عمر : فهذان القولان لفقهاء الحجاز - ومن قال بقولهم - متقاربان في وجه ، مختلفان في آخر .

35863 - وأما فقهاء العراق ، فلا يرون قطع يد السارق في أقل من عشرة دراهم ، إلا أن منهم من يراعيها دون مراعاة دينار .

35864 - ومنهم من يقول بقطع اليد في دينار ، أو في عشرة دراهم .

35865 - فالدينار عندهم عشرة دراهم على ما قوم به عمر الدينار في الدية ، فجعلها في روايته ألف دينار ، أو عشرة آلاف درهم .

[ ص: 161 ] 35866 - وروي عن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود أنهما قالا : تقطع اليد في أقل من دينار ، أو عشرة دراهم .

35867 - وروى وكيع ، عن حمزة الزيات ، عن الحكم ، عن أبي جعفر ، قال : قيمة المجن الذي قطعت فيه اليد دينار .

35868 - وقال إبراهيم النخعي : لا تقطع اليد إلا في دينار أو قيمته .

35869 - وأما سفيان الثوري ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وزفر فقالوا : لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم .

35870 - وهذا قول عطاء .

35871 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يقطع من سرق مثقالا من ذهب ، حتى يكون المثقال يساوي عشرة دراهم مضروبة فصاعدا ، ولا يقطع من سرق نفرا من فضة وزنها عشرة دراهم مضروبة ، ولا يقطع من سرق عشرة دراهم زائفة ، أو مبهرجة إذا كانت لا تساوي عشرة دراهم بيضا .

[ ص: 162 ] 35872 - فالحجة لمن قال : إن اليد لا تقطع إلا في عشرة دراهم ، وأن المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ثمنه عشرة دراهم .

35873 - ما حدثناه عبد الوارث قال : حدثني قاسم ، قال : حدثني محمد ، قال : حدثني أبو بكر ، قال حدثني ابن نمير ، وعبد الأعلى ، قالا : حدثني محمد بن إسحاق ، عن أيوب بن موسى ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم .

35874 - قال أبو بكر قال : وحدثني عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقطع يد السارق في دون ثمن المجن " . قال : وكان ثمن المجن عشرة دراهم .

35875 - قال : فهذا ابن عباس ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، قد خالفا ابن عمر في ثمن المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يد السارق .

35876 - فالواجب أن لا تستباح اليد إلا بيقين ؛ لأن صاحب العشرة يجامعه [ ص: 163 ] صاحب الثلاثة ، وليس صاحب العشرة بجامع لصاحب الثلاثة .

35877 - قال أبو عمر : قد يكون ذلك أمرين في حدين ، إذا صح القطع في ثلاثة دراهم فصاعدا دخل فيه العشرة ، وكل ما زاد على الثلاثة ، والله أعلم كيف كان ذلك ، وحديث ربع دينار أولى ما قيل في هذا الباب ، والله الموفق للصواب .

35878 - قال أبو عمر : من قال : لا تقطع اليد إلا في ثلاثة دراهم فصاعدا ، ومن قال : في ربع دينار فصاعدا ، أو من قال : في دينار ، أو عشرة دراهم فصاعدا ؛ لكل واحد منهم حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يحدثه ، ويسند إليه ، ويحتج به ، ويعول عليه ، ولكل واحد منهم سلف من الصحابة ، والتابعين .

35879 - وفي المسألة أقاويل غير هذه ، ليس في شيء منها حديث مسند إلا واحد منها ، وفيها أحاديث منقطعة لا تثبت أن ثمن المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خمسة دراهم .

35880 - وقد قال بأن اليد لا تقطع إلا في خمسة دراهم فصاعدا جماعة ؛ منهم ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة .

[ ص: 164 ] 35881 - وروي ذلك عن عمر بن الخطاب ، وسليمان بن يسار .

35882 - ذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني ابن إدريس ، عن ابن أبي عروبة ، وإسماعيل عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : لا يقطع الخمس إلا في خمس .

35883 - قال : وحدثني أبو داود ، عن هشام ، عن قتادة عن سليمان بن يسار ، قال : لا يقطع الخمس إلا في خمس .

35884 - وقد روى شعبة ، عن قتادة عن أنس ، قال : قطع أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - في مجن ، قيمته خمسة دراهم .

35885 - قال أبو عمر : هذا حديث رواه الثوري ، عن شعبة ، وليس فيه حجة ؛ لأن من رأى القطع في ثلاثة دراهم قطعها فيما زاد ، خمسة ، أو غير خمسة .

35886 - وقول آخر ؛ أن اليد لا تقطع إلا في أربعة دراهم فصاعدا .

38557 - روي ذلك عن أبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة ، من حديث يحيى [ ص: 165 ] القطان ، وحديث شعبة أيضا رواه جميعا عن داود بن أصيبيح ، أنه سمع أبا سعيد ، وأبا هريرة ، يقولان : لا تقطع اليد إلا في أربعة دراهم فصاعدا .

35888 - ذكره أبو بكر ، قال : حدثني غندر ، وذكره بندار ، عن يحيى القطان .

35889 - قال أبو بكر : وحدثني عبد الوهاب الثقفي ، عن خالد ، عن عكرمة ، قال : تقطع اليد في ثمن المجن ، قال خالد : قلت له : ذكر لك ثمنه ؟ قال : أربعة أو خمسة .

35890 - وقال عثمان البتي : تقطع اليد في درهم .

35891 - وروي عن الحسن البصري في هذا الباب روايات :

35892 - فروى الأشعث بن عبد الملك أنه قال : ما كنت لأن أقطع اليد في أقل من خمسة دراهم .

35893 - وروى منصور عنه أنه كان لا يوقت في السرقة شيئا ، ويتلو هذه الآية : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) [ المائدة : 38 ] .

[ ص: 166 ] 35894 - وروى قتادة عنه أنه قال : تذاكرنا على عهد زياد ما تقطع فيه اليد ، فأجمع رأينا على درهمين .

35895 - وقالت الخوارج ، وطائفة من أهل الكلام : كل سارق بالغ سرق ما له قيمة - قلت أو كثرت - فعليه القطع .

35896 - واحتج بعض المتأخرين ممن ذهب إلى هذا ، ما حدثناه سعيد ، وعبد الوارث ، قالا : حدثني قاسم ، قال : حدثني محمد ، قال : حدثني أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده " .

35897 - وهذا حديث شاذ ، ويحتمل أن يكون معناه القليل ؛ لأن مقدار ما تقطع فيه يد السارق في جناية يده قليل .

35898 - وقد قيل : إن حديث أبي هريرة هذا كان في حين نزول الآية ، ثم أحكمت الأمور بعد ، أحكمها الله تعالى بأن سن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبين مراد الله [ ص: 167 ] من كتابه ، فقال ما رواه الزهري ، وغيره ، عن عمرة ، عن عائشة ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا " .

35899 - وقد قيل : إنه أراد - عليه الصلاة والسلام - بذكر البيضة في حديث أبي هريرة بيضة الحديد ، وليس بشيء ، والصواب ما قدمت لك والله أعلم .

35900 - ذكر أبو بكر ، قال : حدثني حاتم بن إسماعيل ، قال : حدثني جعفر بن محمد عن أبيه ، أن عليا - رضي الله عنه - قطع يد سارق في بيضة حديد ، ثمنها ربع دينار .

1552 - قال أبو عمر : ذكر مالك في هذا الباب حديثه عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة ، قالت : خرجت عائشة إلى مكة ، ومعها مولاتان لها ومعهما غلام لبني عبد الله بن أبي بكر الصديق فبعثت مع المولاتين ببرد مرجل ، قد خيط عليه خرقة خضراء قالت : فأخذ الغلام البرد ففتق عنه فاستخرجه ، وجعل مكانه لبدا أو فروة ، وخاط عليه ، فلما قدمت المولاتان المدينة دفعتا ذلك إلى أهله ، فلما فتقوا عنه وجدوا فيه اللبد ، ولم يجدوا البرد ، فكلموا المرأتين ، فكلمتا عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، أو كتبتا إليها ، واتهمتا العبد ، فسئل العبد عن ذلك فاعترف ، فأمرت به عائشة زوج النبي [ ص: 168 ] صلى الله عليه وسلم فقطعت يده ، وقالت عائشة : القطع في ربع دينار فصاعدا .

35901 - وليس فيه أكثر من فتيا عائشة بقطع يد العبد السارق ، وقولها : القطع في ربع دينار فصاعدا .

35902 - وسيأتي القول في الحرز في موضعه من باب جامع القطع . إن شاء الله عز وجل .

35903 - ولم يختلف العلماء فيمن أخرج الشيء المسروق من حرزه سارقا له ، وبلغ المقدار الذي تقطع فيه يده ، أن عليه القطع ؛ حرا كان أو عبدا ، ذكرا كان أو أنثى ، مسلما كان أو ذميا ؛ لأن العبد الآبق إذا سرق اختلف السلف في قطعه ، ولم يختلف أئمة فقهاء الأمصار في ذلك . والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية