الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1583 [ ص: 228 ] ( 11 ) باب ما لا قطع فيه

1560 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ؛ أن عبدا سرق وديا من حائط رجل فغرسه في حائط سيده فخرج صاحب الودي يلتمس وديه فوجده ، فاستعدى على العبد مروان بن الحكم ، فسجن مروان العبد ، وأراد قطع يده ، فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج [ ص: 229 ] فسأله عن ذلك ؟ فأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا قطع في ثمر ولا كثر " والكثر الجمار ، فقال الرجل : فإن مروان بن الحكم أخذ غلاما لي وهو يريد قطعه ، وأنا أحب أن تمشي معي إليه فتخبره بالذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فمشي معه رافع إلى مروان بن الحكم ، فقال : أخذت غلاما لهذا ؟ فقال : نعم ، فقال : فما أنت صانع به ؟ قال : أردت قطع يده . فقال له رافع : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا قطع في ثمر ولا كثر " فأمر مروان بالعبد فأرسل .


[ ص: 230 ] 36161 - قال أبو عمر : قد ذكرنا الاختلاف في إسناد هذا الحديث في " التمهيد " ، وذكرنا طرقه ، واختلاف الناقلين لها ؛ فمنها مرسل منقطع ، ومنها ما يستند من وجه ويتصل ، وهو حديث لا يطابق متنه ولفظه المعنى الذي خرج عليه ؛ لأن المسروق كان وديا ، والودي : الفصيل ، وهو النخلة الصغيرة ، كالنقل من شجر التين وغيرها ، قلعه الذي سرقه ، وغرسه في حائط سيده .

36162 - والثمر المعلق ؛ ما كان من الثمار في رءوس الأشجار ، لم يجذه ربه ولم يأويه صاحبه إلى جرين ، ولا بيدر ، ولا جودان ، ولا أندر ولا مربد ، وإنما قائم يتعلق من الأشجار والكثر .

36163 - قال أبو عبيد ، وغيره : هو جمار النخل في كلام الأنصار ، وهو يؤكل عندهم ، كما تؤكل الثمار ، والودي ليس كذلك .

36164 - واختلف الفقهاء فيمن سرق شجرة مقلوعة ، أو غير مقلوعة .

36165 - واختلفوا أيضا فيما يؤكل من الثمار رطبا ، وفيما يكون من الحيطان لأشجارها وثمارها ؛ فنورد من ذلك ما حضرنا ذكره ، وبالله عز وجل [ ص: 231 ] توفيقنا .

36166 - قال مالك : لا قطع في النخلة الصغيرة ، ولا الكبيرة إذا قلعها من موضعها .

36167 - واختلف أصحابه في الشجرة تقلع ، وتوضع في الأرض ؛ فقال بعضهم : وضعها في الأرض حرز لها ، إذا كان في موضع محروز . والله أعلم .

36168 - وقال بعضهم : لا قطع فيها على حال ، ولم يختلفوا فيمن قلع شيئا من البقول القائمة ، والشجر القائمة أنه لا قطع على سارقها ، كما لا قطع في الثمر المعلق حتى يأويه الجرين ، ولا في حريسة الجبل من الماشية كلها حتى يأويها المراح والجرين .

36169 - والمراح والجرين حرز على ما يسرق منه لمن سرق منه ، وفيه ما يوجب القطع .

36170 - وأما الشافعي ؛ فقال : الأصل أنه لا قطع على من سرق من غير حرز .

[ ص: 232 ] 36171 - والجرين حرز لما فيه ، والمراح حرز لما يحويه من الغنم .

36172 - قال : والذي تعرفه العامة بالحجاز أن الجرين حرز ، والحائط ليس بحرز .

36173 - قال : والحوائط ليست بحرز للنخل ، ولا للثمر ؛ لأن أكثرها مباح ، يدخل من جوانبها ، فمن سرق من حائط شيئا من الثمر المعلق لم يقطع ، وإذا أواه الجرين قطع سارقه إذا بلغت قيمته ربع دينار .

36174 - قال الشافعي : قال مالك في الأترجة التي قطع فيها عثمان - رضي الله عنه - كانت أترجة تؤكل .

36175 - قال الشافعي : وفي ذلك دليل على قطع من سرق الرطب من الطعام ، أو غيره إذا بلغت سرقته ربع دينار .

36176 - وأما أبو حنيفة وأصحابه ؛ فقالوا : لا قطع في سرقة ثمر من رءوس النخل ، ولا في حنطة إذا كانت سنبلا في سنبلتها ، ولا في ثمر ، ولا في كثر ، فإذا أحرز الثمر ، وجعل في حظيرة ، وأغلق باب ، كان على من سرق منه ما بلغ عشرة دراهم القطع .

[ ص: 233 ] 36177 - قالوا : ولا قطع على من سرق ما يفسد من الفاكهة ، واللحم ، والطعام الذي هو كذلك ، وإن غلت قيمته ، ولا قطع في شيء من الخشب إلا في الساج وحده ؛ فمن سرق منه ما يساوي عشرة دراهم قطع .

36178 - قال أبو يوسف في " الإملاء " : القثاء مثل الساج ، يقطع سارقه .

36179 - وهو قول الثوري فيما لا بقاء له من الفاكهة ، كقول أبي حنيفة ، ولهم في باب ما لا قطع فيه . أقوال ضعيفة جدا .

36180 - وإنما ذكرنا في هذا الباب ما يؤكل من الثمار ، وذكرنا من الخشب ؛ لما جرى في الحديث المذكور فيه منها .

36181 - ولم نتعرض لغير ذلك خشية الإطالة ؛ لأن كتابنا هذا ، كتاب " أصول الفقه " ، لم يوضع لفروعه ؛ لأنها لا تحصى إلا بمعرفة أصولها ، والله ولي العون والتوفيق ، لا شريك له .

التالي السابق


الخدمات العلمية